من ذاكرة التاريخ الاستعماري.. وثيقة كامبل ج2

من ذاكرة التاريخ الاستعماري.. وثيقة كامبل ج2
من ذاكرة التاريخ الاستعماري.. وثيقة كامبل ج2

من ذاكرة التاريخ الاستعماري.. وثيقة كامبل ج2

استعرضت في مقالي السابق تاريخ وثيقة كامبل السري، وتوقف عند موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الرسالة التي أرسلها له “ثيودور هرتزل”، الذي كان: “انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطواتٍ جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيعُ أن أتخلى عن شبرٍ واحدٍ من أرضِ فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملكُ الأمةِ الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض وروّها بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مُزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا”.

 العثمانيون وفلسطين

لم يترك اليهود فرصة من أجل تثبيت وجودهم في القدس، إلا وحاولوا اغتنامها، فقد جرت محاولاتٍ عدة لذلك من قبلِ زعماء الحركات الصهيونية منذُ أمدٍ بعيد ، وحاولوا بجميع الأساليب الوصول إلى المدينة.

هذا الاستيطان هو الذي دفع السلطان عبد الحميد إلى جعل القدس سنجقاً (لواء) مستقلاً عن ولاية دمشق ومتصرفيه لها اتصال مباشر بالباب العالي، وإصداره تشريعاتٍ وقوانينَ تمنعُ الهجرةَ اليهودية إلى فلسطين. وهي: لا يُسمح لليهود بالدخول إلى فلسطين إلا حجاجاً أو زواراً مقابل دفع 50 ليرة تركية، التعهد بمغادرة البلاد خلال 31 يوماً، تعيينُ متصرف مستقيم وحازم على القدس يطبقُ سياسةَ البابِ العالي، إبلاغِ القناصلُ بأنه منزعجٌ من إقامةِ اليهود بعد انتهاء التصريح، إصدار التصريح من السفارة العثمانية في البلاد التي يأتي منها اليهود، تعيينُ شخصية صارمة لثني اليهود عن الاقتراب من القدس .

لقد استفاد أهالي القدس والمدن المجاورة من حركة تدفق الأموال على القدس من الدول الغربية خلال هذه الفترة، إذ كان لبلدية القدس في ذلك العهد نظامٌ مالي متعدد الإيرادات والمصروفات، وكانت موارده تشمل الرسوم التي خصصتها الدولة، والضرائب المختلفة، والغرامات، ورسوم القيان والميزان والمكاييل والعقود والذبيحة، ورسوم بيع أو شراء المواشي، والإعانات.

وزادت حركة البناء والعمران ،ويلاحظ المتتبع لجداول مهن البناء في القدس التوسع المطرد في دخول الحرفيين والتجار، وكان الحرفيون والتجار غالباً من المسلمين إذ إنهم أكثر سكان فلسطين ،وبأيديهم التجارة والحرف والصناعات. وقد زاد التوسع العمراني في هذه الفترة والبناء خارج السور، بحيث أصبح البناء الحديث طابعاً جديداً مميزاً للمدينة.

ومما زاد في تدفقِ الأموال على القدس، ارتباطها بميناء يافا البحري الذي كان ثغر فلسطين الجنوبي، علاوةً على إنشاءِ خطِ سكةٍ حديد يصلُ إلى القدس، وقد بدأ تشغيله عام 1892م. وقد قام العثمانيون بتقنين زيارات الأجانب إلى القدس، إذ لم يسمح للزائر بالإقامة في هذه الديار أكثر من ثلاثة أشهر يرهن خلالها جواز سفر الزائر غير المسلم، ويمنح بطاقة حمراء مدة إقامته في فلسطين ثم يعود من حيث أتى.

  من يوميات السلطان عبد الحميد : رأى السلطان كما يذكر في يومياته، أنّ هدفَ الدول الأوروبية كان خلق المشاكل الداخلية  والفتن في إمبراطوريته لأنها تريد إضعافها، ولأن السلطانَ كان زعيمُ الجامعةِ الإسلامية، ولأن الدينَ الإسلامي كان يمثلُ روحَ العصرِ في الدولة العثمانية ويسيطر على أكثر العثمانيين، فلا يعقل أن يتخلى عن الأرضِ المقدسة لشعبٍ غريب ٍعن المنطقة ،كما أنه لا يريدُ إيجادَ أقليةٍ جديدة، فمشاكله مع الأقليات في إمبراطوريته تكفيه وهي كثيرة، وقد استمر على موقفه هذا من الصهيونية والهجرة اليهودية حتى قيام ثورة الاتحاد والترقي عام 1908م وخلعه في عام 1909م. وكان السلطان يخشى أن تصبحَ فلسطين مثل “جبل لبنان” وأن تلعب الدول الأوروبية في فلسطين الدور نفسه الذي لعبته في لبنان.

هنا يأتي السؤال الحاسم، كيف تمكن اليهود من امتلاك الأرض؟

 يتبع..

مشاركة على: