عظماء الإسلام من دولة  بني عثمان (الغازي عثمان)

عظماء الإسلام من دولة  بني عثمان  (الغازي عثمان)
عظماء الإسلام من دولة  بني عثمان (الغازي عثمان)

عظماء الإسلام من دولة  بني عثمان (الغازي عثمان)

 

تقرير: نورس العبد الله

لاشك أن كل الأمم العريقة والتي تقدر ذاتها وحضارتها تقدر شخصيات قيادية واجتماعية وعلمية ودينية و ثقافية لامعة وبارزة في تاريخها و ذات أثر عابر لعقارب الزمن التي عاشت به فامتد أثر وتأثير ما قامت بفعله لعقود طويلة و ليرسم معالم تغير إيجابي في الأمم و يضع لبنة جديدة في هرم حضارتها .

ومعلوم لدى الكثير أن الأمة الإسلامية عموماً والخلافة العثمانية خصوصاً كانت مليئة بالعظماء  في شتى الميادين ، وأن الكثير من أبناء اليوم يجهل تفاصيل حياتهم وعظم مجهودهم و بذلهم لتستمر الخلافة الإسلامية قرون طويلة جامعة للمسلمين و حامية للديار و فاتحة للأمصار .

لذلك نضع سلسلة من عظماء الإسلام  من دولة بني عثمان ونلقي نظرة على مواقف حياتهم و نستذكر هاهنا نفحاً من نفحات المجد التليد كي يكون حافزا و معززا لثقة المسلمين بذاتهم وحضارتهم .

نلقي اليوم نظرة على رجل ذو عقل وهمة عالية عاش حياته مكافحاً ومجاهداً وأرسى أركان دولة ستغير مجرى التاريخ وتؤرق أعداء الأمة لقرون .

نبدأ من خاتمة حياته حيث تعطي فكرة وافية عن شخصية الرجل وفكره إذ قال  لولده وهو على فراش الموت موصياً إياه وراسماً بكلمات من ذهب وحروف من نور معالم طريق لا يسير عليه فرد فقط بل أمة كاملة لتصل دوماً لبر الأمان إذ قال : «يا بني؛ إيَّاك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله ربُّ العالمين، وإذا واجهتْكَ في الحُكْم معضلة فاتَّخذ من مشورة علماء الدين موئلاً.. يا بني؛ أحطْ مَنْ أطاعك بالإعزاز، وأَنْعِمْ على الجنود، ولا يغرَّك الشيطان بجندك  وبمالك، وإيَّاك أن تبتعد عن أهل الشريعة!.. يا بني؛ إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله ربِّ العالمين، وأنَّ بالجهاد يَعُمُّ نور ديننا كل الآفاق، فتَحْدُثُ مرضاة الله –عز وجل.. يا بني؛ لسنا من هؤلاء الذين يُقيمون الحروب لشهوة الحكم أو سيطرة أفراد؛ فنحن بالإسلام نحيا ونموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل».

هذا هو السلطان عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه القايوي ،ولد  في (656هـ= 1258م) هذا العام الذي اجتياح فيه هولاكو وجيش المغول والتتار  بغداد وتم إسقاط الخلافة العباسية المظلة الجامعة للمسلمين ،فكأن ولادة هذا الرجل المؤسس للخلافة العثمانية في ذات العام بزوغ أمل للامة من جديد من ثنايا الشقاء واليأس فعثمان بن أرطغرل هو  مُؤَسِّس الدولة العثمانية وأوَّل سلاطينها تلك الدولة التي استمرت 600 عام حتى سقوطها في القرن  العشرين .

تولى مقاليد الإمارة بعد وفاة والده الأمير أرطغرل وبدأ بتوسيع  إمارته  فضمَّ إليه عام (688هـ= 1289م) قلعة قره حصا (القلعة السوداء)  أو أفيون قرة وفتح مدن "اينه كولي" و"يني شهر" و"كوبري حصار" و"بلجك حتى وصل إلى شواطئ بحر مرمرة والبحر الأسود فاتحاً الثغور باسم السلطان السلجوقي علاء الدين .

خلف السلطان علاء الدين وابنه بعد اجتياح المغول لقونية عام 1300 م وأصبح اميراً وسيطر على الأراضي و اتخذ مدينة (يني شهر) أي المدينة الجديدة قاعدة له  ولقَّب نفسه بادي شاه آل عثمان واتخذ راية له وهي علم تركيا اليوم .

كان واضح الرؤية صلب العزيمة ويتجلى ذلك بما وضع أمام الأمراء الروم من  معادلة ثلاثية إما أن الإسلام أو الجزية أو الحرب ،  وقد قبل البعض وتراسل البعض  مع المغول للتخلص منه إلا أنه أرسل  جيشاً بقيادة ابنه أورخان وهزم المغول ومن ثم عاد واتَّجه إلى مدينة (بورصة) فاستطاع أن يدخلها عام (717هـ= 1317م)، وتُعَدُّ هذه المدينة  من الحصون الرومية المهمَّة .

ورث مساحة الامارة عن أبيه بما يقدر ب4800 كم مربع ووسعها أربعة أضعاف تقريبا لحدود 16000 كم مربع وهكذا تركها مع منفذ بحري .

كل تلك الإنجازات لم تنبع من فراغ ولا مصادفة بل كانت نتاج صفات  اتصف الغازي عثمان  بها وجعلت هذه الشخصية قادرة على مقارعة الخطوب والـتأسيس راسخ الأركان لدولة ستنمو وتكبر .

إذ تجد الشجاعة صفة ملازمة له فهو من خاض الحروب بنفسه وتقدم الجيوش وكانت الحكمة ملازمة لها  فقد عرف كيف يعادي ويهادن ولا يحيد عن هدفه وكيف يتفرد بأعدائه .

كان مخلصاً لشعبه ودينه وقضيته وأمته و صابراً وجلوداً على الجهاد والحروب وطول الحصار وقادراً على الجذب والإقناع  فقد  كان ذو جاذبية وقدرة على استمالة القلوب حيث أعجب به الكثير من خصومه واعتنق الإسلام الكثير من قادتهم كما استمال جماعات اسلامية عديدة لجيشه وامارته .

امتاز بالعدل فمذ كان قاضيا في عصر ابيه قضى بحكم لنصراني ضد مسلم تركي، وكان عادلاً مع رعيته ومع البلاد التي فتحها .

كان وفياً بعهده حتى مع ألد أعدائه وخصومه وأشتهر بذلك وحاز على إعجاب العدو والصديق بتلك الخصلة القليلة الوجود في زمن الغدر والتآمر .

وتأتي الصفة الأهم أنه ما كان لاهثاً وراء مجد شخصي بل كان متجرداً من حب الذات وأمراض القلوب والسلطة  مبتغياً وجه الله فيما يقوم به .

أخيراً بعد رحلة طويلة توفي السلطان عثمان الملقب بالغازي عام 726 ه -1326 م وعهد لأبنه أورخان بالحكم من بعده رغم أنه أصغر من أبنه علاء الدين إلا أنه اكثر قدرة على القيادة و الجهاد  وأوصى أبنه بتلك الكلمات التي باتت نهجاً للسلاطين العثمانيين ودفن رحمه الله في مدينة بورصة وقد قضى حياته مجاهداً زاهداً .

 

 

مشاركة على: