تركيا بعيون ناشط فلسطيني: بلد المتناقضات وتتطور بخطوات واثقة

تركيا بعيون ناشط فلسطيني: بلد المتناقضات وتتطور بخطوات واثقة
تركيا بعيون ناشط فلسطيني: بلد المتناقضات وتتطور بخطوات واثقة

تركيا بعيون ناشط فلسطيني: بلد المتناقضات وتتطور بخطوات واثقة

متابعة نيو ترك بوست

سرد ناشط فلسطيني من سكان قطاع غزة جانبًا من ملاحظاته على طبيعة العادات والتقاليد القائمة في تركيا حاليًا، وذلك بعد مرور عام كامل من استقراره فيها.

وكتب المدّون في وسائل التواصل الاجتماعي، المهندس، خالد صافي، تدوينة مطوّلة بعنوان "عام على الرحيل.. تركيا بعيون فلسطينية"، قدّم خلالها مجموعة من النصائح لمن يرغب بالقدوم إلى تركيا.

وجاء في التدوينة التي لاقت استحسان الكثير من المعلقين ما يلي:

 

أنت في حاجة فعلا لقراءة تجارب الآخرين والتعرف على خلاصة خبراتهم، قراءتك الأولى لهذه التجربة ستكون عابرة ولكن ستعود لها لتفحص سطورها تفصيلا عندما يرميك الحنين إلى بلاد الأناضول..

لابد أن تعرف ثلاث مسلمات قبل قراءة خلاصة التجربة:

1- الانطباعات السابقة والأفكار الموروثة عن الحياة في تركيا لها دور كبير في طريقة تعاطيك مع الأحداث سلبًا أو إيجابًا.

2- انطباعك عن البلد والحياة فيها يتطور مع الزمن، فالحكم في أول أيام وصولك يتخلف تمامًا عنه بعد شهر ولن تتضح الرؤية قبل سنة، وستنضج نظرتك للحياة فيها عندما تتقن اللغة التركية.

3- ما ينفع لزيد قد لا ينفع لعمرو؛ لذا فليس من الضروري أن نجاح فلان اليوم هو دليل على نجاحك غدً.

نصيحة: لا تقيس تجربة أحد على نفسك.

15 معلومة سريعة:

- لا تتنقل في البلد بدون جوال عليه تطبيقات المواصلات

- ولا تدخل المسجد بدون جوارب حتى لو كنت تلبس الشبشب

- ولا تذهب إلى الحمامات العامة بدون عملات معدنية في جيبك فهي ليست مجانية

- أكل بوراك مش زاكي ومطعم المدينة أزعج مكان ممكن تزوره

- الأجهزة الإلكترونية في تركيا أغلى من البلاد العربية للضرائب المفروضة على استيرادها

- تركيا بلد تعيش على القانون والضرائب والأوراق الحكومية الرسمية فلا تتهاون في أي منها

- إذا دخلت بإقامة سياحية يمكنك تجديدها سنويًا ويفضل تجديدها قبل انتهائها بشهرين

- أما بعدما تحصل على إقامة العمل بخمس سنوات فيمكنك التسجيل للجنسية التركية

- المدارس الحكومية مختلطة ومجانية لجميع المراحل التعليمية ويمكنك إدخال أولادك فيها بالفيزا السياحية

- يوجد في كل منطقة سوق شعبي للخضار والفواكه والملابس والأدوات المنزلية اسمه بازار وله يوم محدد أو يومين في الأسبوع

- يمكنك أن ترسل كل شيء تقريبًا داخل وخارج البلد من خلال خدمة PTT

- معاهد ISMEK التابعة للبلدية تقدم لك دورات كثيرة منها تعلم اللغة التركية مجانًا

- اشتري الملابس من LC Waikiki والمواد الغذائية من فروع BİM وترقب العروض الترويجية من Şok

- تركيا هي بلد المشوار الواحد في اليوم الواحد لأن المساحات كبيرة والمسافات بعيدة والطرق مزدحمة

- المواصلات مجانية أو بنصف التكلفة في الأعياد والمناسبات الوطنية ويتم الإعلان عنها قبل يوم أو يومين

 

بعد مرور عام أقول:

تركيا بلد التناقضات، وربما تتغير نظرتي هذه لاحقًا أو تتطور عندما أتمكن من اللغة أكثر، وأقدر على قراءة التاريخ والتعمق في ثقافة هذا الشعب، أو تربطني علاقات وطيدة بتفاصيل حياة الأتراك اليومية، ولا أدري كيف سيكون انطباع أصدقائي الأتراك عندما أتمكن من ترجمة هذا الموضوع إلى لغتهم وعرضه عليهم..

 

اللغة التركية من أصعب ما يمكن تعلمه لأنها عكس ما يألف العقل العربي في التركيب من ناحية موضع (الفعل والفاعل والمفعول به)، لكن يكفيك أن تلفظ كلمة واحدة ليفهم محدثك بقية القصة..

 

عدد السكان 82 مليون نسمة ولكنهم على عكس كثير من الدول العربية موزعين على خريطة البلاد التي تبلغ مساحتها حوالي 784 ألف كم مربع..

 

تركيا بلد جاذبة للسياحة حتى وصل عدد السياح العام 2018 إلى أكثر من 43 مليون سائح يعني أكثر من نصف عدد السكان، وبالرغم من ذلك قلة من يتحدثون الإنجليزية، وذلك راجع لأسباب عدة منها قومية الأتراك وافتخارهم بلغتهم وكرههم للإنجليز.

 

كل مدينة منفصلة بذاتها وطبيعتها عن الأخرى، بل كل منطقة داخل تلك المدينة الضخمة تختلف عن المنطقة التي بجانبها في العادات والأفكار وطريقة التعامل واهتمامات الناس، وتشعر كأنك انتقلت إلى دولة أخرى..

 

الشعب التركي تنطبق عليه ثلاث صفات ملحوقة بـ “جدًا جدًا”:

نظيف جدًا جدًا، طيب جدًا جدًا، عنيد جدًا جدًا

 

تعج الطرق السريعة بالسيارات الخاصة وفي نفس ذات الوقت يتكدس الناس على ركوب المواصلات العامة (الحافلة – المترو – المتروبوس – الترامفاي..)

 

لابد أن تعمل يوميًا حتى تؤمّن لنفسك مصدر دخل مناسب وحياة كريمة، ساعات العمل في اليوم لا تقل عن 10 ساعات، وأيام الإجازة هي السبت والأحد، والحد الأدنى للأجور قد لا يكفي إيجارًا لشقة في تجمّع سكني؛ لذا دخلك هو الذي يحدد مستوى سكنك.

 

يحب الأتراك العمل في الزراعة والصناعة ومجالات الإنتاج الأخرى لأجل التصدير، وقلما تجد فيهم من يعمل في حقل الاستيراد، تركيا لا تستورد أكثر من الموز والسياح.

قاعدة: ثروة تركيا قائمة على السياحة والتصدير

 

كل شيء تشتريه تدفع له ضريبة، وإذا غلا سعر الخيار رخصت البندورة وإذا تواجدت الخضار عزّت الفواكه، لدرجة أن بعض الفواكه تُباع بالحبة وبسعر مرتفع مثل (الأفوكادو والمانجا والموز)

قاعدة: ابتعد عن الأصفرين.. الموز وسيارة الأجرة

 

لا يغرك صفاء الجو صباحًا فقد تمطر ظهرًا وتسطع الشمس عصرًا وتهب رياح الشمال الباردة مساء، قد تمطر في عز الصيف، ولكن مهما كان الشتاء قارصًا فنظام العزل في نوافذ وجدران البيوت يجعلك لا تشعر بالبرد داخلها.

قاعدة: لا تثق في ثلاثة.. الطقس وسعر الليرة ومزاج المرأة التركية

وأغرب ما يقال هنا: بمجرد أن تمطر تلاحظ أن الجميع يحملون المظلات، وعندما تعود الشمس للسطوع يرتدون النظارات الشمسية وكأنهم يحفظون مواعيد تقلبات مزاج بلادهم جيدًا!

أما أجمل ما ترى في الشتاء: يلقي الناس الخبز والطعام فوق الثلوج حتى لا تجوع الطيور والحيوانات في الطرقات، وترش عربات البلدية الملح على الثلج لتجنب إغلاق الطرق.

 

بين كل مطعم ومطعم يوجد مطعم، وبعد كل موقف سيارات يوجد موقف وبالرغم من ذلك نادرًا ما تجد مطعمًا خاليًا من الزبائن أو مكانًا تركن فيه سيارتك..

 

في نهار رمضان تعج المطاعم بالمفطرين حتى تكاد تظن أنه لا يوجد صائمون، وعند الإفطار يهرول الجميع إلى بيوتهم وتمتلئ الشوارع والمساجد بموائد الرحمن وتكتظ الحدائق بالعائلات التي تتناول طعام الإفطار حتى تكاد تجزم أنه لا يوجد مفطرون!

 

لن تجد مكانًا في المسجد لتصلي التراويح وعندما تخرج ترى الناس كلهم في المقاهي الليلية يسهرون للفجر..

 

أينما يممت وجهك تجد اللبس النسائي المحتشم وكذلك الفاضح لكن لن تسمع ولن ترى حالة تحرش واحدة!

 

قد ترتدي الفتاة جيبة قصيرة إلى ما فوق الركبة وفي يدها مسبحة إلكترونية لا تنفك عن التسبيح.. وعادة بعدما تفرغ من الصلاة وتخرج من المسجد تخلع عند بابه الجلباب وتمشي في الشارع بالبنطلون الجينز!

 

إذا كان هناك بلد صدّر للعالم النظام البيروقراطي المقيت في المعاملات الحكومية الرسمية فهي تركيا؛ لذا لا تحلم أن تنهي معاملة رسمية قبل أن تعمل “نوتر*” لكل أوراقك المقدمة، ومع ذلك فمراكز النوتر في كل منطقة، وكل المؤسسات والدوائر الحكومية متاحة أون لاين ولها تطبيقات يمكنك إنجاز معاملاتك من خلالها لو كنت تدري.

 

نوتر: أو الكاتب العدل هي دائرة مكلفة من الحكومة للتصديق على الأوراق الرسمية

 

بناء على ما ورد في المسلّمة رقم 3: يمكن أن تستأجر شقة بنصف ثمن الشقة المقابلة لك في نفس المبنى، ولن تجد في تركيا منتجًا واحدًا بنفس السعر في مكانين مختلفين.

 

أنت بالنسبة للحكومة مجموعة من الورق الموقّع بالأختام الزرقاء والحمراء، وعندما تنقص ورقة فأنت ناقص الأهلية، ولو وقفت شجرة أمام موظف الدولة فلن يقبل إبرام معاملتك بدونها، ولو تجاوز هو عنها سيصلك بريد يطلب منك تلك الورقة؛ لذا ينصح بالاحتفاظ بكل تلك الأوراق حتى لو اضطررت لتكديسها في خزانة خاصة.

 

تركيا شعب يحب الانقلابات ويعشق إسقاطها، بطل مسلسل السلطان عبد الحميد الثاني هو نفسه بطل مسلسل سنوات الضياع، والنسبة التي صوتت لصالح أردوغان في الانتخابات الرئاسية هي نفس النسبة أو أكثر قليلا من التي صوتت ضده، والذين يدعمون الليرة مقابل الدولار هم من يشترون الدولار ويكنزونه لوقت يرتفع سعره مقابل الليرة!

 

هي بلد المتناقضات ولكن..

نعم هي بلد المتناقضات التي جمعت الإسلام والعلمانية وعددًا لا بأس به من التوجهات السياسية الأخرى تحت مظلة واحدة، وهي بلد تمضي في طريق التطور بخطوات واثقة، هناك من ينعت الشعب التركي بكثير من السلبيات ويؤكد أنه لولا إدارة بلاده الحكيمة لبقيت البلاد في ذيل الأمم..

 

لا يهم إذا ما كانت القاعدة هشة متناقضة طالما بقي رأس الهرم قويًا، وظني أن النظام القائم نجح في التوازن بين المتناقضات لأن خلفيته إسلامية ولو كان خلاف ذلك ما فلح..

 

شعوبنا العربية لديها من الطاقات الشابة والإمكانيات الواعدة ما يجعلها تسود، لكنها تعاني من خلل في النظام، في رأس الهرم، في ربان السفينة ما يجعلها تعيش في عصور مظلمة، وطالما بقيت تلك الأنظمة جاثمة على صدر الأمة تنهب ثرواتها وتفسد أخلاقها فلا فلاح لها..

مشاركة على: