
سعادة العاملين في تركيا ترتفع متوسطًا لكن التحديات باقية
في تركيا أعلنت شركة Pluxee بالتعاون مع معهد The Happiness Index في مايو 2025 نتائج بحث بعنوان “كم هم سعداء الموظفون في تركيا ؟” ، حيث سجل الموظفون المشاركون مستوى سعادة بلغ 6.5 من 10؛ هذا الرقم أقل من المتوسط العالمي الذي تم تقديره بـ 7.9 من 10، مما يُشير إلى وجود فجوة واضحة بين ما يشعر به الموظف في أرض الواقع وبين ما يُحقّقه بعض الدول الأخرى. شمل البحث أكثر من 2100 موظف من قطاعات متنوعة في أنحاء تركيا، وسُئلوا عن عدة عوامل مثل الشعور بالاستقلالية في العمل، فرص النمو المهني، شعور الغاية والمعنى، جودة العلاقات في البيئة العملية، ومدى شعورهم بالأمان والثقة في المؤسسات التي يعملون بها.
أول ما يظهر من النتائج أن الموظفين لا يشعرون بحرية كافية في أداء مهامهم أو اتخاذ قرارات فرعية مستقلة، كما أن الدعم لتطوير المهارات الشخصية والمهنية لا يصل إلى درجة يراها كثيرون كافية. كما عبر عدد كبير من المشاركين عن أنهم لا يشعرون بأن العمل الذي يقومون به يخدم غاية أكبر أو معنى مفهوماً بوضوح؛ هذا الشعور، بحسب المشاركين، يُضعف من ارتباطهم الوظيفي ويقلل من ولائهم للمؤسسة.
إضافة إلى ذلك، تم قياس درجة الولاء المؤسسي وفق أسئلة مثل “هل توصي بمكان عملك كبيئة جيدة للعمل؟” ، ووجد أن متوسط هذا المؤشر في تركيا هو 6.4 من 10، بينما المتوسط العالمي لنفس المؤشر يقترب من 7.8 من 10. هذا الفرق يُظهر أن رغم أن بعض الموظفين يشعرون بأنهم مفيدون وأن دورهم مهم، إلا أن المؤسسات لم تنجح بعد في خلق شعور كامل بالولاء لديهم، أو لم توفر جميع المتطلبات التي تبني علاقة قوية بين الموظف ومكان العمل.
من ناحية الموقع الجغرافي داخل تركيا، جاءت النتائج متباينة: أقل مستوى سعادة تم تسجيله في منطقة مرمرة، حيث كان المتوسط حوالي 5.9 من 10، وأشارت ردود المشاركين في مرمرة إلى ضغوط أكبر، وقلة الفرص للتطوّر المهني، وكذلك ضعف الثقة في الإدارة والمستقبل الوظيفي، مما جعل الشعور العام لديهم أقل. أما أعلى مستوى سعادة فكان في منطقة شرق الأناضول، حيث سجّل الموظفون قيمة 7.2 من 10، تلتها منطقة البحر الأسود ومن ثم جنوب شرق الأناضول، مما يشير إلى أن العاملين في المناطق الأكثر بُعدًا عن المراكز الحضرية الكبرى أو مع الأزمات المرورية الكبيرة قد يشعرون بدرجة من الرضا تختلف بحسب نوع الوظيفة والمجال، وقد يكون التوظيف المحلي والتكلفة المعيشة والعوامل الاجتماعية المحيطة تلعب دورًا فيها.
عند مقارنة المجموعات العمرية، وجد البحث أن الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 51 إلى 60 عامًا هم الأكثر شعورًا بالسعادة من غيرهم في عدة مؤشرات مثل الشعور بالاستقلالية وإمكانية التعبير عن رأيهم، والراحة في أخذ فترات راحة، وكذلك الشعور بأن خبرتهم تُقدَّر. الفئات الأصغر سنًا، خاصة بين 25-35 أو أقل، عبرت عن شعور أكبر بعدم الاستقرار المهني أو بعدم وضوح الأهداف، وأيضًا رغبة أكبر في فرص التطوير أو التعلّم المستمر، لكنهم يرون أن المؤسسات لا تستثمر بما يكفي في هذا الجانب.

تظهر أيضًا أن حوالي 47٪ من الموظفين المشاركين في البحث أقرّوا أنهم سينصحون بمكان عملهم كبيئة جيدة للعمل، لكن نسبة المقاطعين أو الذين لا يشعرون بالثقة الكافية أو الذين لا يرون بيئة العمل مناسبة هي النصف الآخر تقريبًا، مما يعني أن هناك شريحة كبيرة لا تزال غير راضية أو تشعر أن بيئة عملها تحتاج إلى تحسينات جوهرية.
البحث وضع مؤشرات للأسباب التي تُسهِم في انخفاض مستوى السعادة أو المرتبطين بشكل سلبي بهذه المشاعر، من أبرزها غياب الشعور بالأهمية أو المعنى في مهام العمل اليومية، ضعف التقدير، الروتين، ضغوط العمل الزائدة، ضعف المرونة في أوقات العمل، الشعور بأن الآراء لا تُستمَع أو لا تُأخذ بعين الاعتبار، وأيضًا ضعف التواصل بين الإدارة والعاملين.

كما برزت مسألة الأمان الوظيفي والثقة بالمؤسسة، إذ أن الموظفين في مرمرة مثلاً أشاروا إلى أنهم لا يثقون دائمًا بأن الإدارة تلتزم بالوعود التي تقدمها، أو أن سياسات الشركة شفافة. أيضًا موضوع التوازن بين الحياة الشخصية والعملية ظهر كمؤشر مهم: الموظفون الذين يشعرون أنهم لا يملكون وقتًا كافياً للعائلة أو راحتهم الشخصية هم الأكثر انخفاضًا في مستوى السعادة والولاء.
من الجانب الآخر، بيّنت البيانات أن الموظفين يرون أن المؤسسات التي تُقدّم برامج تدريب داخلي، وتسمح ببعض العوائد مثل مرونة عمل، وتسمح بالمشاركة في اتخاذ القرار، وتُقدّر العمل الجماعي والتواصل الجيد بين الفرق، هم من يحصلون على درجات أعلى في مؤشر السعادة، ومعدل الولاء يكون أقوى في هذه المؤسسات.
هذه النتائج تحمل تأثيرات عملية ملموسة على سوق العمل التركي على المدى المتوسط والبعيد: انخفاض السعادة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، زيادة دوران الموظفين وترك الوظائف، ارتفاع تكاليف التوظيف والتدريب، وربما انخفاض جودة الأداء أو ارتفاع الأخطاء. من جهة أخرى، الشركات التي تستجيب لهذه الأزمات الداخلية يمكن أن تكسب مزايا في جذب المواهب والمحافظة عليها، وتحسين سمعتها، وتخفيض التكاليف المرتبطة بعدم الرضا مثل التغيب أو الانسحاب المبكر.
المسؤولين في Pluxee أو The Happiness Index يشيرون إلى أن هذه النتائج تدعو لتغيير استراتيجية المؤسسات في كيفية إدارة العنصر البشري؛ يجب التركيز أكثر على تمكين الموظف، إعطاءه مساحة للاقتراح والمشاركة، تعزيز فرص التعلم والتطوير، وتأمين بيئة يشعر فيها أن العمل ذو معنى وأن دوره يُحسب. كما ينصح الخبراء بأن تُقدَّم برامج دعم الصحة النفسية في أماكن العمل، ودعم التوازن بين الحياة والعمل، وتطوير سياسات إدارة موارد بشرية أكثر شفافية وعدالة.
في الختام، رغم أن الدرجة 6.5 من 10 تظهر أن الموظفين ليسوا في حالة سعادة سيئة تمامًا، لكنها تُظهر جليًا أن الطموحات أعلى بكثير من الواقع، وأن هناك فجوة بين توقعات الموظفين وما تقدّمه المؤسسات، وأن تحسين بيئة العمل يمكن أن يحقق زيادات في ولاء الموظفين وإنتاجيتهم. المستقبل في تركيا يعتمد على مدى استجابة الشركات وسياسات العمل للاستماع للعاملين وتوفير الظروف التي تجعل العمل أكثر إنسانية ومعنىً.
