الطائرة التركية T-925 تحلق أول مرة في 2026

الطائرة التركية T-925 تحلق أول مرة في 2026
الطائرة التركية T-925 تحلق أول مرة في 2026

الطائرة التركية T-925 تحلق أول مرة في 2026

في إطار سعي تركيا لتعزيز قدراتها المحلية في صناعة الطيران والمروحيات متعددة المهام، تعمل شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية TUSAŞ (المعروفة أيضًا باسم Turkish Aerospace Industries) على مشروع المروحية الثقيلة الجديدة T-925، والذي يُعد من أبرز مشروعاتها الاستراتيجية في السنوات الأخيرة. وبحسب تصريحات الشركة والمصادر المتخصصة في الصناعة الدفاعية والطيران المدني، من المقرر أن تُجري المروحية أول رحلة تجريبية لها في عام 2026، لتكون بذلك خطوة كبيرة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وتعزيز حضور تركيا في الأسواق العالمية.

المروحية T-925 وُلدت من الحاجة إلى امتلاك منصة جوية محلية قادرة على أداء مهام متعددة، بدءًا من النقل اللوجستي ونقل الأفراد والمواد إلى المناطق النائية، مرورًا بمهام البحث والإنقاذ، وانتهاءً بمهام مكافحة حرائق الغابات التي تشكّل تحديًا متزايدًا لتركيا في المواسم الحارة. ويقول مسؤولو TUSAŞ إن التصميم يستند إلى خبرات سابقة اكتسبتها الشركة من مشاريع مروحيات مثل T-625 "غوكباي" والمروحيات العسكرية، لكنه أكبر حجمًا وأثقل وزنًا وأكثر قدرة على حمل الحمولات.

وفقًا للبيانات الرسمية، ستتمتع T-925 بقدرة إقلاع قصوى تبلغ نحو 12 طنًا، ما يجعلها واحدة من أثقل المروحيات المنتجة محليًا في المنطقة. كما ستوفر قدرة حمل عالية، تصل إلى أربعة أطنان من المياه في عمليات إطفاء الحرائق، أو نقل عدد كبير من الركاب والمعدات في مهام الطوارئ والإنقاذ. هذه المواصفات تجعلها منافسًا للمروحيات الأجنبية المستخدمة حاليًا، وتمنح تركيا استقلالية أكبر عن الاستيراد في هذا القطاع الحساس.

من الناحية التقنية، تخطط TUSAŞ لتزويد المروحية بمحركات قوية وأنظمة طيران حديثة متوافقة مع معايير الطيران المدني والدفاعي، إضافة إلى تجهيزات إلكترونية متقدمة لزيادة السلامة وتقليل الأخطاء البشرية. وستكون المروحية قادرة على الطيران بسرعات تصل إلى 175 عقدة بحرية تقريبًا، مع مدى تشغيلي يسمح لها بالتحليق لساعات متواصلة دون توقف، وهو ما يجعلها مناسبة للمهام الطويلة والمعقدة مثل إخماد الحرائق في مناطق جبلية أو نقل مساعدات إنسانية إلى أماكن منكوبة.

تاريخ بدء المشروع يعود إلى السنوات الماضية عندما قررت الحكومة التركية والشركات الوطنية وضع خطة طموحة لتطوير مروحية ثقيلة محلية بالكامل. هذا القرار جاء في ضوء الطلب المتزايد على مروحيات متعددة المهام داخليًا، خاصة بعد الحرائق الكبيرة التي شهدتها تركيا في الأعوام الأخيرة، والتي كشفت الحاجة الماسة إلى أسطول محلي من المروحيات الثقيلة القادرة على التدخل السريع والفعال. وبالتوازي مع ذلك، تسعى تركيا إلى أن تكون هذه المروحية منصة تصديرية مستقبلية، بحيث يمكن بيعها لدول أخرى تحتاج إلى مروحيات مماثلة بأسعار تنافسية ودعم فني محلي.

بحسب الخطط المعلنة، ستُسلم الدفعة الأولى من هذه المروحيات إلى المؤسسة العامة للغابات (Orman Genel Müdürlüğü) في تركيا عام 2028، بعد استكمال الاختبارات اللازمة وشهادات الاعتماد والتدريب على التشغيل والصيانة. هذا يعني أن السنوات بين 2026 و2028 ستكون حاسمة بالنسبة للمشروع، حيث ستُجرى خلالها اختبارات مكثفة تشمل الطيران في ظروف مناخية مختلفة والتأكد من توافق الأنظمة مع المتطلبات التشغيلية الفعلية.

المروحية T-925 ليست مجرد مشروع تقني بل هي جزء من استراتيجية أوسع لتركيا لتعزيز مكانتها في صناعة الطيران العالمية. فمن خلال هذا المشروع، تؤكد أنقرة أنها قادرة على تصميم وتصنيع مروحية ثقيلة بأيدٍ محلية، بما في ذلك هياكل الطائرة وأنظمة التحكم الإلكترونية وأنظمة الطيران المساعدة. كما أن المشروع يشمل تعاونًا مع جامعات ومراكز بحثية تركية لتطوير مكونات مختلفة مثل الشفرات وأنظمة الدفع والإلكترونيات، وهو ما يساهم في بناء قاعدة صناعية وعلمية قوية داخل البلاد.

خبراء الصناعة الدفاعية يرون أن نجاح T-925 سيكون له أثر كبير على سمعة الصناعات الجوية التركية، خصوصًا إذا نجحت المروحية في إثبات كفاءتها في العمليات الفعلية مثل إطفاء الحرائق أو النقل في المناطق الجبلية والصحراوية. هذه النجاحات المحتملة ستمنح تركيا ورقة قوية للتفاوض مع دول أخرى ترغب في شراء المروحية أو الدخول في شراكات لتصنيعها محليًا.

الخطوة كذلك تكتسب أهمية سياسية، إذ تُظهر أن تركيا لا تركز فقط على تطوير قدراتها الدفاعية والعسكرية بل أيضًا على تطبيق هذه القدرات في مجالات مدنية وإنسانية مثل مكافحة الحرائق والنقل الطارئ. هذا التوازن يعزز من صورة تركيا كدولة منتجة للتكنولوجيا المتقدمة القابلة للاستخدام في أكثر من قطاع.

من حيث الجدول الزمني، تؤكد TUSAŞ أنها ملتزمة بموعد أول رحلة طيران في 2026، رغم التحديات التي قد تواجهها مثل الحصول على شهادات الاعتماد أو تأمين سلاسل التوريد لبعض المكونات المتقدمة. الشركة تعمل على إدارة المخاطر بشكل فعال من خلال تطوير أكبر عدد ممكن من المكونات محليًا وتدريب كوادرها على أحدث الأساليب في التصميم والتصنيع والاختبار.

في جانب آخر، ستُتيح المروحية فرصًا واسعة للتعاون مع المستخدمين النهائيين مثل المؤسسة العامة للغابات، حيث ستُبنى برامج تدريب خاصة بالطيارين والفنيين والمراقبين لضمان التشغيل الأمثل للمروحيات. كما ستُنشأ مراكز صيانة وتحديث داخل تركيا لتقديم الدعم الفني على مدار عمر الخدمة، ما يقلل من التكاليف التشغيلية ويزيد من موثوقية المروحية.

هذا المشروع أيضًا سيؤثر إيجابًا على الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل جديدة في قطاع الطيران والبحث والتطوير والهندسة والإنتاج. فبناء مروحية بهذا الحجم يتطلب مئات المهندسين والفنيين والموردين المحليين، وهو ما يعزز سلسلة القيمة المضافة داخل تركيا ويحفز الابتكار في الصناعات المساندة.

وبالنسبة للمستقبل، قد يُفتح الباب أمام تطوير نسخ مختلفة من T-925 بمواصفات متنوعة لتلبية احتياجات العملاء المختلفين، مثل نسخة مخصصة للبحث والإنقاذ البحري أو نسخة مزودة بأنظمة خاصة للنقل العسكري أو الطبي. هذه الاستراتيجية المتنوعة ستجعل من المروحية منصة متعددة الاستخدامات وقابلة للتطوير مع مرور الوقت.

في المحصلة، مشروع T-925 يمثل أكثر من مجرد مروحية جديدة؛ إنه اختبار لقدرة تركيا على الانتقال من مستورد للتكنولوجيا إلى منتج ومصدر لها. وإذا نجحت الشركة في تسليم المروحية ضمن الجدول الزمني وحققت الأداء المطلوب، فسيكون ذلك إنجازًا كبيرًا للصناعة الجوية التركية وسيعزز مكانة تركيا كفاعل مهم في سوق المروحيات العالمي.

وبينما يترقب الجميع أول رحلة طيران للمروحية في عام 2026، تستعد فرق العمل داخل TUSAŞ لإنجاز كل مرحلة بدقة لضمان نجاح هذا الحدث المرتقب. وسيكون عام 2028 بداية مرحلة جديدة حين تبدأ المروحيات بالخدمة الفعلية داخل تركيا وربما خارجها أيضًا.

مشاركة على: