تركيا تُحيي شجرة “الذهب المنهمر”

تركيا تُحيي شجرة “الذهب المنهمر”
تركيا تُحيي شجرة “الذهب المنهمر”

تركيا تُحيي شجرة “الذهب المنهمر”

لشجرة التي تنزّل ذهبًا”، حيث ارتفع عدد الأشجار المزروعة من نحو ألف شجرة فقط عام 2010 إلى أكثر من مئة ألف شجرة الآن، بفضل جهود وزارة الزراعة والغابات والمحافظات المحلية والمزارعين، الذين قاموا بزراعة الشتلات المنتجة من قبل الوزارة في مناطق متضررة من حرائق الغابات والدوائر الزراعية غير المستثمَرة، وكذلك توزيعها بين أصحاب الأراضي، حتى بدأت شجرة الصمغ تؤتي ثمارها فعليًا هذا الموسم، بل بدأ الحصاد الفعلي للعصارة التي تُعرف بصمغ الشيصة أو الصمغ الطبيعي خلال الأشهر من يونيو إلى سبتمبر، حيث يُستخدم كالياقوت النادر في الصناعات الدوائية، الغذائية، والعناية بالبشرة والرائحة.

يُشار إلى أن شجرة الصمغ كانت شبه مفقودة في البرّية التركية في بدايات الألفية، فقد كانت تُعرف بوجودها في جزيرة خيوس اليونانية وساحل تشيشمه في إزمير، لكن داخل تركيا قلّت بشدة بسبب الجفاف، وقلّة التشجيع والدعم، حتى وصلت إلى نحو ألف شجرة فقط عام 2010. ومنذ ذلك الحين، وبواسطة الوزارة، تم إنتاج الشتلات ومعالجتها وتجهيزها للزراعة في المناطق التي تأثّرت بالحرائق، كما تمّت حملات لتشجيع المزارعين لاستغلال الأراضي الفارغة لزراعة هذه الشجرة التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة وتُظهر مقاومة جيدة للجفاف، مما يجعلها خيارًا بيئيًا وزراعيًا مستدامًا.

الحصاد يبدأ رسميًا في يونيو، حيث تقوم الفرق المختصة برش الكالسيوم تحت الشجرة ثم عمل خدوش خفيفة في جذع الشجرة تسمح بتجمّع العصارة على الكلس، التي تتكوّن بلورات من السائل ثم تُفصل من المادة الكلسية وتُجفَّف إلى منتج صلب يُعرف بالصمغ الصلب. تستمر العمليات حتى سبتمبر حيث يُمكن جمع الكمية التي تراكمت خلال الأشهر. هذا الموسم، الإنتاج ما زال صغيرًا مقارنة بالحجم المطلوب لتلبية الطلب المحلي والدولي، حيث يُقدَّر إنتاج تركيا الحالي بـ200-250 كيلوغرام صمغ سنويًا، في حين أن الهدف هو رفع هذا الرقم ليصل إلى بضعة أطنان، بغية تغطية الحاجة المحلية أولًا ثم التصدير.

مدير الزراعة والمحافظة في المنطقة، مصطفى شاهين، تحدّث أنه “شجرة الصمغ من التراث القديم لتركيا، كانت تُستخدم في العلاجات وفي المطبخ وإضفاء النكهة في الطعام، وقد تمّ الآن الحصول على علامة جغرافية لنوع صمغ تشيشمه، وتُجري الوزارة أيضًا إجراءات للحصول على علامة جغرافية للاتحاد الأوروبي، مما سيتيح حماية المنتج وزيادة تسويقه”. وأضاف أن “الشتلات المنتجة لا تحتاج إلى رعاية مائية كثيرة، وتُزرع أيضًا في المناطق المتضررة من الحرائق كجزء من استراتيجية التشجير واستصلاح الأراضي، الأمر الذي يُساعد في مكافحة التصحر وتوفير مصدر دخل إضافي للمزارعين”. 

ومع ذلك، يواجه المشروع عدة تحديات، منها صعوبة الحصول على عُمال مهرة لجمع الصمغ بالطريقة التقليدية، التذبذُب في الأسعار العالمية للمنتجات الطبيعية والعطرية، وجود منافسة من منتجات مستوردة وأحيانًا مغشوشة، إضافة إلى التأكد من جودة الصمغ وخلوّه من الملوثات، وهو ما يُشترط للحصول على شهادات التصدير. أيضاً المعامل البتروكيماوية التي تطلق ملوثات في البيئة قد تؤثر على جودة الصمغ إذا تم جمعه في مناطق قريبة من مصادر التلوث.

المزارعون المحليون الذين شاركوا في العملية قالوا إنهم يشعرون بالفخر بأن الشجرة التي كاد تراثُهم أن ينسى قد عادت لإنتاج منتج ذو قيمة اقتصادية عالية، وإنهم يأملون أن يتحول هذا المشروع من مبادرة محلية إلى مصدر دخل مهم ومستدام على المدى الطويل، خصوصًا مع تحسن الطلب في الأسواق العطرية والغذائية، ومع الاهتمام المتزايد بالمنتجات الطبيعية والعضوية.

المزارعون المحليون الذين شاركوا في العملية

على الصعيد البيئي، تُعد شجرة الصمغ خيارًا مثاليًا للمساهمة في الاستدامة، لأنها مقاومة للجفاف وتحتاج إلى ماء قليل نسبيًا، وتساهم في تثبيت التربة ومنع التصحّر وتجديد الغطاء النباتي بعد حرائق الغابات. هذا الأمر يجعلها ليست فقط مصدرًا اقتصاديًا، بل أيضًا جزءًا من الحلول البيئية التي تستهدف مواجهة التغير المناخي وتأثيراته في تركيا.

من الناحية الاجتماعية، المشروع يُعطي فرصة للقرى والمناطق الريفية التي غالبًا ما تُهمَل من قبل المشاريع الكبرى، مما يُتيح لسكان الريف فرصة دخل محلي من زراعة الشتلات الحارقة والحصاد اليدوي، وكذلك مشاركة النساء غالبًا في أعمال جمع الصمغ، مما يُعزز من دورهم الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المحلية.

إذا استمرت المعدلات الحالية للتوسع في زراعة الشتلات وتطوير عمليات الحصاد ومعالجة الصمغ، فترى الوزارة أن تركيا يمكن أن تصبح بعد سنوات قليلة من اللاعبين الرئيسيين في سوق الصمغ الطبيعي العالمي، ليس فقط لتلبية الحاجة المحلية، بل أيضًا للتصدير، مما سيجلب العملة الأجنبية ويُساهم في تنمية الأقاليم التي تُزرع فيها الشجرة.

ختامًا، “مشروع الشجرة التي تنزّل ذهبًا” أو seferberlik sakız ağacı يُظهر أن الاستدامة والاقتصاد يمكنهما أن يمشيا جنبًا إلى جنب—أن تركيا التي عاشت الماضي عبر تراث صمغ تشيشمه، تستعيد ذلك التراث اليوم مع تطويره اقتصادياً وبيئيًا.

مشاركة على: