
إنتاج الغاز الطبيعي العالمي يتخطى الأرقام في العقد الأخير
شهد إنتاج الغاز الطبيعي العالمي بين 2015 و2024 قفزة كبيرة غير مسبوقة، حيث وصل حجم الإنتاج إلى نحو 4 تريليون و300 مليار متر مكعب عام 2024 وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية، مما يجعل الغاز الطبيعي من أسرع مصادر الطاقة نموًا بين الوقود الأحفوري خلال السنوات العشر الماضية، ويعكس تزايد الطلب العالمي واتجاهات البحث عن مصادر أقل تلويثًا مقارنة مع الفحم والنفط، فضلاً عن تطور تقنيات الإنتاج والتنقيب البحري وغير التقليدي. هذا الارتفاع لم يكن فقط في الإنتاج، بل بما يقارب نسبة نمو سنوية تفوق 2٪ في الطلب العالمي، مع ازدياد ملحوظ في الإنتاج البحري وغير التقليدي مثل الغاز الصخري والميثان المستخرج من طبقات الفحم، ما يعطي مؤشرًا قويًا بأن الغاز الطبيعي سيظل لاعبًا رئيسيًا في مزيج الطاقة العالمي في العقود القادمة.
الإنتاج البحري من الغاز الطبيعي شهد قصة نجاح ملحوظة؛ إذ إن الإنتاج البحري الذي كان محدودًا سابقًا، نما بشكل ثابت منذ 2015، بمعدل زيادة حوالي 30 مليار متر مكعب سنويًا ليصل في عام 2024 إلى نحو 1 تريليون و300 مليار متر مكعب، وهو ما يوضح أن الدول والمستثمرين يركّزون على المنصات البحرية والحقول تحت سطح البحر لتلبية الطلب المتزايد، خاصة في ظل التحديات البيئية وقيود الانبعاثات.

أما بالنسبة للغاز غير التقليدي، فالإحصائيات تشير إلى أن إنتاج الغاز الصخري وحده قفز من حوالي 150 مليار متر مكعب في 2010 إلى ما يقارب 940 مليار متر مكعب في 2024، معظم هذا الإنتاج من الولايات المتحدة، بينما إنتاج ميثان الفحم وصل إلى حوالي 85 مليار متر مكعب معظمها من أستراليا وغيرها من الدول التي تستثمر في هذه المصادر البديلة.
البلدان الرائدة في إنتاج الغاز الطبيعي ما زالت الولايات المتحدة في الصدارة، بإنتاج يفوق 1 تريليون و70 مليار متر مكعب عام 2024، تليها روسيا بحوالي 660 مليار متر مكعب، ثم إيران وقطر وأستراليا، مع نمو ملحوظ لدى الصين التي ضاعفت تقريبًا إنتاجها من الغاز الصخري وغيرها من المصادر البديلة خلال العقد الأخير، ما عزّز من تنوع مصادر العرض العالمي.
أحد الدوافع وراء هذا الارتفاع هو النمو السريع في الطلب، حيث يُرى الغاز الطبيعي كحل وسيط في التحول من الفحم إلى الطاقة النظيفة، لأنه ينبعث منه كربون أقل عند الاحتراق، ولأنه يُستخدم في توليد الكهرباء والطهي والتدفئة وحتى في بعض الاستخدامات الصناعية. النمو في الشبكات والبنى التحتية للشحن والتوزيع ونقل الغاز عبر خطوط الأنابيب وعمليات التسييل (LNG) ساهمت أيضًا في جعل الغاز أكثر توفرًا وسوقه أكثر تنوعًا.
لكن الخبر ليس كله تفاؤل؛ فالتحديات موجودة أيضًا. من أهمها التحديات البيئية، مثل الانبعاثات المصاحبة لاستخراج الغاز، وخاصة من طرق الإنتاج غير التقليدية التي قد تستلزم تكسيرًا هيدروليكيًّا أو استخدام موارد مائية كبيرة، إضافة إلى الأثر على البنية التحتية في الدول التي تعاني ضعفًا فيها. كذلك تكلفة النقل والتسييل وعمليات الأمان والتخزين تشكّل عائقًا خصوصًا للدول النامية.
من الناحية الجيوسياسية، فإن الاعتماد على الغاز الطبيعي يُعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، حيث الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة أو تلك التي تطوّر تقنيات الإنتاج البحري وغير التقليدي تتحوّل إلى لاعبين أكثر تأثيرًا على الأسواق الدولية. الولايات المتحدة تحافظ على موقعها، لكن إيران وقطر أيضًا مستفيدتان من الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي، وقطر خصوصًا بفضل قدرتها على التصدير عبر LNG.
التأثير على المستهلكين أيضًا موجود، من حيث أن زيادة العرض يمكن أن تخفّض الأسعار أو على الأقل تمنع ارتفاعًا كبيرًا، لكن هذا لا يحدث دائمًا؛ ففي بعض الدول التي تستورد الغاز، مثل أوروبا، قد تظل الأسعار مرتفعة نتيجة تكاليف الاستيراد والنقل، أو نتيجة السياسات الضريبية والضوابط البيئية.
بالنسبة لتركيا تحديدًا، الخبر العالمي يعني أن البلاد قد تستفيد إذا زادت استكشافاتها المحلية، أو توفّرت مشاريع استيراد الغاز المسال (LNG) أو توسّعت شبكات التوزيع. كما أن التحسين في كفاءة استهلاك الغاز واستخدامه في الصناعة والتدفئة قد يقلّل من الفاتورة المستوردة، ويعزز الأمن الطاقي.
ختامًا، إنتاج الغاز الطبيعي العالمي في السنوات العشر الأخيرة سجّل أرقامًا قياسية بفضل التطور في الإنتاج البحري وغير التقليدي، وتزايد الطلب، وتوسع البنى التحتية، لكن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات البيئية والجيوسياسية والتكلفة التقنية. المستقبل سيعتمد على قدرة الدول على الابتكار في التعدين والإنتاج والنقل، وعلى مدى التزامها بالمعايير البيئية، واستثمارها في الطاقة البديلة لتقليل التأثير على المناخ.