تدرس MediaTek إنتاج الرقائق في الولايات المتحدة خطوة استراتيجية أم مخاطرة؟
في خطوة قد تغيّر خريطة صناعة أشباه الموصلات عالميًا، أعلنت شركة MediaTek التايوانية – إحدى أكبر مصممي الشرائح الإلكترونية في العالم – أنها تدرس بجدية إمكانية بدء إنتاج بعض رقائقها داخل الولايات المتحدة بالتعاون مع عملاق التصنيع TSMC في مصنعه الجديد Fab 21 بولاية أريزونا.
تأتي هذه المبادرة في إطار سعي الشركة للاستجابة لمتطلبات عملائها الأمريكيين وتلبية الشروط التنظيمية التي باتت تفرضها بعض القطاعات الصناعية في الولايات المتحدة، خصوصًا في مجالات حساسة مثل السيارات، الاتصالات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي. نائب رئيس الشركة التنفيذي JC Hsu صرّح لصحيفة Nikkei Asia أن الفكرة ما زالت قيد الدراسة، ولم يتم بعد تحديد تقنيات الإنتاج أو جدول زمني واضح، لكنها تمثل توجهًا استراتيجيًا لزيادة الحضور العالمي للشركة.
ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه محاولة من MediaTek لمواجهة تحديات سلاسل التوريد العالمية، إضافة إلى تقليل التعرض للرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على بعض المنتجات المستوردة من آسيا خلال السنوات الماضية. فإنتاج الرقائق داخل الأراضي الأمريكية يفتح الباب أمام تسليم أسرع، ويمكّن الشركة من الدخول بسهولة أكبر في مشاريع حكومية أو صناعية تشترط وجود تصنيع محلي.
ومع ذلك، تواجه الشركة مجموعة من التحديات المعقدة قبل تحويل هذه الخطة إلى واقع. إذ يُعرف عن تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة أنه أكثر تكلفة بكثير من تايوان أو الصين، حيث تتوافر بنية تحتية متكاملة وسلاسل توريد فعّالة ويد عاملة أقل كلفة. كما أن مصنع TSMC في أريزونا ما زال في مرحلة الإعداد لتشغيل خطوط الإنتاج المتقدمة، ومن المتوقع أن يركز في بدايته على الشرائح الموجهة للمعالجات الاستهلاكية وحلول الذكاء الاصطناعي، وليس على الشرائح المتخصصة مثل تلك المستخدمة في السيارات التي تتطلب مواصفات اعتماد عالية الجودة.
لكن من جهة أخرى، قد تمثل هذه الخطوة فرصة لـ MediaTek لتوسيع نطاقها التكنولوجي واستثمار البنية التحتية الأمريكية التي تحظى بدعم حكومي كبير عبر قانون الرقائق الأمريكي (CHIPS Act) الذي يهدف إلى إعادة توطين صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. هذا الدعم يشمل حوافز مالية وإعفاءات ضريبية قد تساعد في تعويض جزء من التكاليف الإضافية المرتبطة بالإنتاج داخل أمريكا.
الخبراء يرون أن نجاح الخطة يعتمد على قدرة الشركة على إيجاد توازن بين التكلفة المرتفعة والفوائد الاستراتيجية، مع ضمان الحفاظ على جودة التصنيع والقدرة على تلبية احتياجات العملاء في الوقت المناسب. فالسوق الأمريكي يُعتبر أحد أكبر أسواق التكنولوجيا في العالم، وإذا نجحت MediaTek في ترسيخ وجودها فيه عبر تصنيع محلي، فقد تضمن لنفسها حصة أكبر من عقود التوريد طويلة الأجل، خصوصًا في قطاعات مثل إنترنت الأشياء والمركبات الذكية التي تتطلب موثوقية عالية ومصدر تصنيع واضح.
الخطوة أيضًا تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية أوسع، إذ تعكس التوجه العالمي نحو تنويع مواقع الإنتاج وتخفيف الاعتماد على منطقة واحدة مثل شرق آسيا، لتقليل المخاطر الجيوسياسية التي قد تؤثر على استقرار الإمدادات. وبذلك، تصبح MediaTek جزءًا من موجة أوسع تشمل شركات مثل Intel، Samsung وTSMC التي أعلنت عن استثمارات ضخمة في البنية التحتية داخل الولايات المتحدة وأوروبا.
إذا ما تم اتخاذ القرار النهائي بالمضي قدمًا، من المتوقع أن تعلن الشركة تفاصيل أكثر وضوحًا خلال الأشهر المقبلة، تشمل نوعية الرقائق التي ستُنتَج في أمريكا، حجم الطاقة الإنتاجية المستهدفة، والجدول الزمني للبدء بالتشغيل. وحتى ذلك الحين، تظل الخطوة مؤشرًا مهمًا على أن صراع الريادة في صناعة الرقائق يدخل مرحلة جديدة عنوانها تنويع المواقع الجغرافية والإنتاج الأقرب إلى الأسواق النهائية.
