
اكتشاف لغة أثرية جديدة في حتوشا يفتح نافذة على تاريخ الأناضول القديم
شهدت الساحة العلمية اكتشافًا مثيرًا للاهتمام في موقع حتوشا الأثري بولاية تشوروم التركية، عاصمة الإمبراطورية الحيثية القديمة. فقد أعلن فريق من علماء الآثار الأتراك والدوليين عن العثور على لوح طيني جديد مكتوب بلغة لم تُعرف من قبل، أطلق عليها الباحثون اسم "كالاشمايك" (Kalašmaic) نسبة إلى منطقة كالاشما التي كانت تقع شمال غرب الأناضول.
يأتي هذا الاكتشاف في إطار الحفريات الدورية التي تجرى في بوغازكوي-حتوشا، حيث استمر التنقيب في أرشيف النصوص الملكية والدينية التي تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد. ويعد موقع حتوشا واحدًا من أغنى المواقع الأثرية في تركيا، إذ يضم آلاف الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري، والتي تقدم معلومات ثمينة عن الإدارة والسياسة والدين في زمن الحيثيين.
اللوح الجديد يحتوي على نص طقسي ديني مكتوب بشكل رئيسي باللغة الحيثية، ولكنه يتضمن مقطعًا كاملًا بلغة مختلفة لم يسبق تسجيلها في أي نص آخر. ووفقًا للباحثين، من المرجح أن تكون هذه اللغة هي لغة شعب كالاشما، وهي إحدى الشعوب المحلية التي خضعت للهيمنة الحيثية.
علماء اللغة القديمة يؤكدون أن النص الجديد يمثل دليلًا إضافيًا على تعددية اللغات في الدولة الحيثية، حيث كانت البلاطات الملكية توثق الطقوس بلغات متعددة، احترامًا لتقاليد الشعوب التابعة لها. ويشير الخبراء إلى أن هذا الاكتشاف قد يسهم في سد فجوة معرفية مهمة حول توزيع اللغات الهندوأوروبية في الأناضول خلال العصر البرونزي المتأخر.
البروفيسور أندرياس شاخنر من جامعة ماربورغ الألمانية، وهو أحد أعضاء فريق التنقيب، أوضح أن العمل على فك رموز هذه اللغة لا يزال في مراحله الأولى، وأن الدراسات اللغوية المقارنة ستحدد ما إذا كانت كالاشمايك تنتمي إلى الفرع الأناضولي من اللغات الهندوأوروبية مثل الحيثية واللووية، أو ما إذا كانت تمثل فرعًا مستقلاً.
الهيئة التركية للآثار أكدت من جانبها أن الاكتشاف سيخضع لدراسة تفصيلية قبل الإعلان عن نتائج نهائية، مشيرة إلى أن النصوص سيتم حفظها وترميمها وفق المعايير الدولية.
يأمل العلماء أن يساهم هذا الاكتشاف في تقديم صورة أوضح عن التفاعلات الثقافية والدينية في الأناضول القديمة، خاصة أن الأرشيف الحيثي يعتبر من أضخم الأرشيفات المكتوبة في العالم القديم. كما أن تحديد هوية لغة كالاشما قد يفتح آفاقًا جديدة لدراسة هجرات الشعوب والعلاقات السياسية في المنطقة خلال الألفية الثانية قبل الميلاد.
هذا الاكتشاف يذكّرنا بأهمية استمرار أعمال الحفريات ودعم البحث العلمي، إذ تكشف كل لوحة جديدة عن صفحة مفقودة من تاريخ البشرية. ومن المتوقع أن تنشر نتائج الدراسات الأكاديمية المتعلقة بهذه اللغة خلال السنوات القادمة في مجلات متخصصة في فقه اللغات القديمة وعلم الآثار.