ارتفاع إيجارات السكن في إسطنبول يرهق المقيمين العرب

ارتفاع إيجارات السكن في إسطنبول يرهق المقيمين العرب
ارتفاع إيجارات السكن في إسطنبول يرهق المقيمين العرب

ارتفاع إيجارات السكن في إسطنبول يرهق المقيمين العرب

إسطنبول – نيو ترك بوست

يشكو آلاف المقيمين العرب في إسطنبول من الارتفاع الكبير في إيجارات المساكن خلال العام الجديد 2025، إذ تحوّل السكن من حاجة أساسية إلى عبء اقتصادي متزايد على الأسر، خصوصاً بعد انتهاء العمل ببعض القيود الحكومية التي كانت تحد من زيادة الإيجار السنوية.

ومع استمرار التدفّق الداخلي للسكان، وازدياد الطلب من المقيمين الأجانب، ارتفعت الأسعار في العديد من المناطق بنسبة تتراوح بين 70% و120% مقارنة بالعام الماضي، بحسب بيانات هيئة الإحصاء التركية (TÜİK).


1. أزمة سكن مستمرة منذ ثلاث سنوات

تعود جذور الأزمة إلى عام 2021 عندما شهدت تركيا موجة تضخم غير مسبوقة وارتفاعاً حاداً في تكاليف مواد البناء والطاقة. ومع تراجع المعروض من الشقق الجديدة في المدن الكبرى، ارتفعت الإيجارات تدريجياً حتى بلغت مستويات قياسية في نهاية 2024.

وفي إسطنبول تحديداً، التي تضم أكثر من 16 مليون نسمة، تجاوز متوسط إيجار الشقة المتوسطة 20 ألف ليرة تركية شهرياً في بعض المناطق، في حين كانت قبل خمس سنوات لا تتجاوز 3000 ليرة.

وتشير البيانات إلى أن المناطق المركزية مثل باشاك شهير، بيليك دوزو، كاديكوي، والفاتح أصبحت الأغلى، بينما بقيت بعض الضواحي مثل سلطان غازي وأسنيورت أقل تكلفة لكنها تعاني من ازدحام كبير وضعف البنية التحتية.


2. العرب في قلب الأزمة

يُقدَّر عدد المقيمين العرب في إسطنبول بما يزيد عن مليون ونصف شخص، يتوزعون بين سوريين، عراقيين، يمنيين، مصريين، فلسطينيين ولبنانيين.
ومعظمهم يعيش في مناطق متوسطة الدخل أو في مجمعات سكنية حديثة نسبياً، ما جعلهم يتأثرون مباشرة بارتفاع الأسعار.

يقول “أبو محمد”، وهو مقيم سوري في منطقة باشاك شهير:

“كنا ندفع 7000 ليرة قبل سنتين، واليوم يطلب صاحب المنزل 18 ألفاً. لا يوجد سقف محدد للزيادة ولا حماية حقيقية للمستأجر.”

وتشير شهادات كثيرة إلى أن بعض الملاك يفرضون زيادات تتجاوز الحد القانوني البالغ 25%، ويبررون ذلك بارتفاع الدولار وأسعار الصيانة، في حين يجد المستأجر نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ: القبول أو الإخلاء.


3. القوانين الجديدة وحدّ الزيادة

حتى منتصف عام 2024، كانت الحكومة التركية قد فرضت سقفاً قانونياً لزيادة الإيجارات لا يتجاوز 25% سنوياً، بهدف حماية المستأجرين من تضخم السوق.
لكن مع بداية عام 2025، انتهى العمل بهذا القيد، لتُترك الزيادة لتقدير السوق والعرض والطلب.

وأكد وزير العدل التركي، في تصريح سابق، أن “العودة إلى النظام الحرّ لا تعني ترك المستأجر بلا حماية، فالقانون المدني ما زال يمنح المستأجرين حق الاعتراض أمام المحاكم في حال الزيادة المبالغ فيها.”

إلا أن هذه المسطرة القانونية تحتاج إلى وقت وجهد، وهو ما لا يمتلكه أغلب المقيمين الأجانب، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال أو الطرد.


4. تأثير التضخم وسعر الصرف

الاقتصاديون يربطون بين أزمة الإيجارات ومؤشرات الاقتصاد الكلي في تركيا.
فمع بقاء التضخم السنوي حول 65%، وارتفاع الدولار فوق 35 ليرة تركية، أصبحت تكاليف البناء والصيانة مرتفعة جدًا.

كما أن الفوائد البنكية العالية حدّت من قدرة المواطنين الأتراك على شراء المنازل، فزاد الطلب على الإيجار بدلاً من التملك.
وفي المقابل، تقلص المعروض من الشقق بعد أن اتجه كثير من الملاك إلى تأجير منازلهم للسياح الأجانب عبر المنصات القصيرة الأجل مثل Airbnb، ما قلل عدد الوحدات المتاحة للإيجار طويل الأمد.


5. أين يتركز الغلاء في إسطنبول؟

وفق بيانات منصة العقارات التركية “Endeksa”، جاءت أعلى أسعار الإيجار في:

المنطقةمتوسط الإيجار الشهري (TL)نسبة الزيادة السنوية
كاديكوي33,000+118%
بشيكتاش29,000+95%
باشاك شهير22,000+85%
الفاتح21,500+90%
أسنيورت15,000+70%

ويلاحظ أن المناطق ذات الكثافة العربية مثل باشاك شهير وأسنيورت أصبحت مركز الضغط الأكبر، بسبب تزايد أعداد المقيمين الباحثين عن سكن بأسعار معقولة.


6. شكاوى من الملاك والمستأجرين

لا تقتصر المشكلة على المستأجرين فقط، فبعض الملاك يرون أنهم متضررون أيضًا.
يقول أحد الملاك الأتراك في منطقة بيليك دوزو:

“الفواتير، والضرائب، والصيانة كلها زادت 4 أضعاف. من الطبيعي أن نرفع الإيجار.”

بينما يردّ أحد المستأجرين العرب قائلاً:

“الراتب لم يرتفع بهذه النسبة. نحن ندفع أكثر مما نكسب أحيانًا. حتى نقل السكن صار مكلفاً.”

وتشير الدراسات إلى أن إنفاق الأسرة المتوسطة في إسطنبول على السكن تجاوز 45% من الدخل الشهري، وهو أعلى معدل في أوروبا وآسيا معًا.


7. إجراءات حكومية محدودة

رغم حجم الأزمة، فإن الحلول الحكومية ما زالت محدودة.
وزارة البيئة والإسكان أطلقت مشروعاً لبناء 250 ألف وحدة سكنية منخفضة التكلفة، لكن أغلبها مخصص للمواطنين الأتراك، ولا يشمل المقيمين الأجانب بشكل مباشر.

كما بدأت السلطات في مراقبة الإعلانات العقارية عبر الإنترنت، وإلزام الوسطاء العقاريين بالحصول على ترخيص رسمي من وزارة التجارة.
هذه الخطوات تهدف إلى الحد من الاحتيال ورفع الأسعار الوهمية، لكنها لم توقف موجة الغلاء بعد.


8. هل هناك حلول للجالية العربية؟

رغم صعوبة الوضع، يوصي خبراء العقارات المقيمين العرب بعدة خطوات عملية:

الانتقال إلى ضواحٍ أقل ازدحامًا مثل سيليفري، تشاتالجا، أو بيلك دوزو القديمة.

تقاسم السكن بين عائلتين لتقليل التكلفة مؤقتًا.

توثيق جميع العقود رسميًا في كاتب العدل لتجنب الطرد المفاجئ.

تجنّب الدفع بالدولار أو اليورو داخل تركيا لتفادي التلاعب في سعر الصرف.

عدم توقيع عقود قصيرة الأجل إلا في حالات خاصة.

ويحذر المستشارون من اللجوء إلى مكاتب غير مرخصة لإيجاد سكن “بسرعة”، إذ تنتشر حالات احتيال عقاري يتم فيها استلام مبالغ كبيرة مقابل عقود غير حقيقية.


9. هل يمكن أن تنخفض الأسعار قريباً؟

يتوقع محللون أن تبدأ وتيرة الارتفاع بالتباطؤ في منتصف 2025، مع دخول وحدات سكنية جديدة إلى السوق بعد استكمال مشاريع قيد الإنشاء.
كما أن تشديد الحكومة على الضرائب المفروضة على الشقق غير المشغولة قد يدفع بعض الملاك إلى خفض الأسعار لجذب المستأجرين.

لكن في المدى القصير، تبقى الأسعار مرتفعة نسبيًا، خصوصاً في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وهي المدن الأكثر طلباً من قبل العرب والأجانب.


10. رسالة نيو ترك بوست للجالية العربية

في ظل الظروف الحالية، تدعو نيو ترك بوست الجالية العربية إلى التعامل بحذر مع سوق الإيجارات، والتحقق من العقود القانونية، والاستفادة من الاستشارات العقارية الموثوقة قبل اتخاذ أي قرار.

فالسكن في تركيا لم يعد مجرد عنوان إقامة، بل أصبح قراراً اقتصادياً يحتاج إلى وعي وتخطيط.

“البيت الآمن لا يُقاس بمساحته، بل باستقراره.”

مشاركة على: