تقرير: كيف تغيّرت نفقات الأسرة العربية في تركيا بين عامي 2023 و2025؟
إسطنبول – نيو ترك بوست
لم يعد السؤال الأبرز بين العرب المقيمين في تركيا هو “كيف يمكن الحصول على الإقامة؟” بل أصبح “كيف يمكن الاستمرار في المعيشة؟”، في ظل ارتفاعات متلاحقة طالت كل جوانب الحياة اليومية خلال العامين الأخيرين (2023–2025).
تقرير نيو ترك بوست الأسبوعي يرصد بالأرقام والوقائع أهم التحولات التي مسّت حياة الأسر العربية المقيمة في تركيا، مستندًا إلى بيانات رسمية ومتابعة ميدانية من ولايات مختلفة.
🏠 أولًا: السكن.. من حلم إلى عبء
حتى نهاية عام 2023، كان متوسط إيجار شقة صغيرة (2+1) في إسطنبول يتراوح بين 10 إلى 13 ألف ليرة تركية.
لكن مع منتصف 2025، قفز المتوسط إلى 25–30 ألف ليرة في الأحياء المتوسطة، بينما تجاوز 50 ألفًا في الأحياء المركزية مثل كاديكوي وبشكتاش.
هذا الارتفاع غير المسبوق جعل بعض الأسر العربية تنتقل إلى مدن أرخص مثل قونية وطرابزون ومرسين، أو تلجأ إلى المشاركة في السكن مع عائلات أخرى لتقليل النفقات الشهرية.
تقول “نسرين.م”، مقيمة سورية في إسطنبول:
“في 2023 كنا نعيش في شقة مستقلة، أما اليوم فنشترك مع عائلة أخرى في نفس المنزل بسبب الإيجار المرتفع.”
🚍 ثانيًا: المواصلات.. خدمة تتقلّص وكلفة تتضاعف
شهدت تعرفة النقل العام في إسطنبول أربع زيادات خلال عامي 2024 و2025.
فقد ارتفع سعر تذكرة المترو والترام من 9.9 ليرة عام 2023 إلى 19.7 ليرة في نهاية 2025.
وفي حين تبرر بلدية إسطنبول هذه الزيادات بارتفاع تكاليف التشغيل والوقود، فإن المقيمين العرب يرونها انعكاسًا مباشرًا لتراجع القوة الشرائية، خاصة مع تزايد الاعتماد على المواصلات العامة كوسيلة أساسية للتنقل اليومي.
“راتبي لم يزد منذ عامين، لكن المواصلات وحدها تضاعفت تكلفتها” — يقول أحمد.ح، مقيم مصري في باشاك شهير.
وبذلك أصبحت المواصلات تستهلك نحو 15% من متوسط الدخل الشهري للأسرة العربية في تركيا، مقارنة بـ8% فقط قبل عامين.
🍞 ثالثًا: الغذاء.. المائدة التي تغيّرت
من بين كل بنود الإنفاق، يعتبر الطعام والشراب الأكثر تأثرًا بتقلبات الأسعار.
تشير أرقام هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 73% خلال 2025 مقارنة بعام 2023.
على سبيل المثال:
كيلو الأرز ارتفع من 35 إلى 80 ليرة.
لتر الزيت من 50 إلى 92 ليرة.
كيلوجرام اللحم الأحمر من 280 إلى أكثر من 550 ليرة.
تقول “سارة.م”، مقيمة فلسطينية:
“بدأنا نغيّر طريقة الشراء، نستغني عن بعض الماركات ونشتري فقط ما يكفينا أسبوعًا.”
وباتت سلة الغذاء الشهرية لعائلة مكوّنة من 4 أشخاص تتجاوز 18 ألف ليرة تركية في إسطنبول، بعد أن كانت لا تتعدى 10 آلاف ليرة قبل عامين.
⚡ رابعًا: الخدمات والفواتير.. الزيادة الصامتة
بعيدًا عن الارتفاعات الكبيرة في السكن والغذاء، هناك زيادات “صامتة” تمر دون إعلان واضح، مثل الكهرباء والماء والغاز.
فقد ارتفعت فواتير الطاقة المنزلية بنسبة 45–60% في المتوسط، بينما ارتفعت فواتير الإنترنت والاتصالات بنسبة 25%.
هذه النسب تُترجم فعليًا إلى زيادة لا تقل عن 2000 ليرة شهريًا في مصروفات أي أسرة متوسطة الدخل.
💰 النتيجة الإجمالية: من الاستقرار إلى الحذر المالي
خلال عامين فقط، تضاعفت نفقات الأسرة العربية في تركيا تقريبًا، بينما لم ترتفع الأجور بنفس الوتيرة.
وهذا ما جعل كثيرين يغيّرون أنماط حياتهم اليومية، من استئجار منازل أصغر، إلى الاعتماد على الطبخ المنزلي والمواصلات المشتركة.
ويقدّر خبراء أن متوسط إنفاق الأسرة العربية في تركيا عام 2025 يتراوح بين 32 و40 ألف ليرة تركية شهريًا، أي بزيادة نحو 90% مقارنة بعام 2023.
📊 التحليل الاقتصادي
يرى الخبراء أن التضخم في تركيا له جانب مزدوج:
داخلي مرتبط بارتفاع التكاليف (الوقود، الأجور، النقل).
خارجي مرتبط بسعر الصرف وتأثير الأسواق العالمية.
ومع أن الحكومة التركية تسعى إلى خفض معدلات التضخم تدريجيًا، فإن الخبراء لا يتوقعون عودة الأسعار إلى مستويات 2023، بل “استقرارًا نسبيًا عند سقف مرتفع” خلال عام 2026.
🧭 رؤية نيو ترك بوست
ترى نيو ترك بوست أن التحدي الأكبر أمام الجالية العربية في تركيا خلال المرحلة المقبلة ليس في الارتفاع المؤقت للأسعار، بل في القدرة على التكيّف مع نمط معيشي جديد أكثر وعيًا وتخطيطًا.
وتوصي الأسر المقيمة بما يلي:
إعداد ميزانية شهرية دقيقة تتضمن بندًا للطوارئ.
البحث عن الأسواق الشعبية والجمعيات التعاونية لتقليل الإنفاق.
مراقبة العروض الأسبوعية للمتاجر الكبرى (BİM – ŞOK – A101).
متابعة تحديثات الإقامة والضرائب لتجنّب المصاريف غير المتوقعة.
وتؤكد الوكالة أنها ستواصل رصد مؤشرات المعيشة والأسعار في تركيا بشكل أسبوعي،
وتقديم تقارير تحليلية تساعد المقيمين العرب على التخطيط المالي والمعيشي الأفضل.
⚠️ تنويه:
الأرقام الواردة في هذا التقرير مبنية على بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء التركية وتقارير اقتصادية محلية، إضافةً إلى متوسطات السوق في المدن الكبرى، وقد تختلف التقديرات من ولاية إلى أخرى.
