الولايات المتحدة تمنع "إنفيديا" من بيع شرائحها المتقدمة للصين

الولايات المتحدة تمنع "إنفيديا" من بيع شرائحها المتقدمة للصين
الولايات المتحدة تمنع "إنفيديا" من بيع شرائحها المتقدمة للصين

الولايات المتحدة تمنع "إنفيديا" من بيع شرائحها المتقدمة للصين

في خطوة جديدة تعكس تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في ميدان الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الحكومة الأميركية قررت منع شركة "إنفيديا" (Nvidia) من بيع أحدث رقاقاتها الحوسبية المعروفة باسم "بلاكويل – Blackwell" إلى الأسواق الصينية، معتبرةً أن هذه التكنولوجيا تمثل أحد أهم مفاتيح القوة في المستقبل الرقمي، ولا ينبغي أن تقع في أيدي خصوم استراتيجيين.

وقالت ليفيت خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة واشنطن إن إدارة الرئيس جو بايدن "لن تسمح بتصدير التقنيات التي يمكن أن تُستخدم لتعزيز القدرات العسكرية أو الاستخباراتية لدول منافسة". وأضافت:

"نحن ملتزمون بحماية ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة. من بين المنتجات التي نريد منع تصديرها إلى الصين هي شرائح Blackwell من إنفيديا، نظرًا لما تمثله من تفوق تقني هائل في مجال معالجة البيانات الضخمة وتدريب النماذج الذكية."

 خلفية القرار

تأتي هذه الخطوة في سياق سلسلة من الإجراءات التي بدأتها واشنطن منذ عام 2022، عندما فرضت وزارة التجارة الأميركية قيودًا صارمة على تصدير رقائق متقدمة إلى الصين، ضمن خطة تهدف إلى كبح تقدم بكين في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة.
وفي أكتوبر 2023، وسّعت الولايات المتحدة قائمة القيود لتشمل منتجات Nvidia مثل رقائق A100 وH100، التي تُعدّ من أهم الأدوات المستخدمة في تدريب النماذج اللغوية الضخمة مثل ChatGPT.

وفي مطلع عام 2025، أعلنت إنفيديا عن تطويرها لجيل جديد من الرقاقات هو Blackwell GB200، الذي يتفوّق على سابقاته في السرعة والأداء الطاقي، ما جعله محط أنظار شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم، وخاصة الشركات الصينية التي تسعى لتعويض تأخرها في سباق الذكاء الاصطناعي.

لكنّ واشنطن سارعت إلى حظر تصدير هذا الجيل الجديد، في خطوة قرأها مراقبون على أنها جزء من معركة السيطرة على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي العالمي، وليس مجرد خلاف تجاري عابر.

 دوافع الحظر الأميركي

بحسب مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة التجارة، فإن القرار يهدف إلى منع استخدام التقنيات الأميركية في تعزيز القدرات العسكرية والاستخباراتية الصينية.
ففي السنوات الأخيرة، استثمرت الصين مليارات الدولارات في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل الكمي والروبوتات المتقدمة، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا مباشرًا لتوازن القوى العالمي.

ويرى محللون أن شريحة Blackwell قد تُستخدم في تشغيل أنظمة محاكاة عسكرية، أو تحسين الخوارزميات المستخدمة في تحليل البيانات الاستخباراتية، وهو ما يجعلها أداة مزدوجة الاستخدام يصعب السماح بتصديرها.

وفي هذا السياق، قال جيم ميلر، الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن:

"القرار الأميركي ليس اقتصاديًا بقدر ما هو أمني. واشنطن تدرك أن الذكاء الاصطناعي سيحدد القوة العسكرية والاقتصادية في المستقبل، ومن هنا تأتي أهمية السيطرة على مصدر الشرائح."

 رد الصين

من جانبها، أعربت بكين عن "استيائها الشديد" من القرار الأميركي، واعتبرته تمييزًا تكنولوجيًا متعمدًا ضد الشركات الصينية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان رسمي:

"الولايات المتحدة تُسيّس التجارة العالمية للتكنولوجيا وتستخدمها كأداة للهيمنة. هذه الخطوة تتعارض مع قواعد السوق الحرة وستؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد العالمي."

وأضاف البيان أن الصين "ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها ومصالح شركاتها"، ملمحًا إلى إمكانية فرض قيود مضادة على تصدير المعادن النادرة والمواد الخام الضرورية لصناعة الشرائح الإلكترونية.

ويحذّر خبراء من أن هذه المواجهة قد تتحوّل إلى حرب تكنولوجية طويلة المدى بين أكبر اقتصادين في العالم، خصوصًا أن كلا البلدين يسعيان لتقليص اعتمادهما على الآخر في سلاسل التوريد.

 التأثير على شركة إنفيديا

تمثل الصين سوقًا ضخمًا لشركة Nvidia، حيث شكّلت المبيعات الصينية نحو 20% من إجمالي إيرادات الشركة في عام 2023.
ومع القيود الجديدة، يتوقّع أن تتراجع مبيعات الشركة في آسيا بشكل ملحوظ، رغم أن إنفيديا قد تحاول تطوير نسخ معدلة من رقاقاتها لتتوافق مع اللوائح الأميركية وتُسمح بتصديرها.

وفي تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، قال مصدر في الشركة:

"نحن نحترم القوانين الأميركية ونبحث عن حلول مبتكرة لتلبية احتياجات عملائنا حول العالم ضمن الإطار القانوني المتاح."

إلا أن المستثمرين أعربوا عن قلقهم من تأثير القرار على أرباح الشركة، خصوصًا في ظل المنافسة المتزايدة مع شركات مثل AMD وIntel التي تسعى إلى توسيع حصتها في السوق الأميركية والأوروبية.

 انعكاسات القرار على سوق الذكاء الاصطناعي العالمي

تُعدّ شريحة Blackwell GB200 من أكثر الرقائق تطورًا في العالم، إذ تعتمد على بنية هندسية جديدة تسمح بمعالجة أسرع للبيانات مع استهلاك أقل للطاقة. وتُستخدم هذه الشرائح في مراكز البيانات الضخمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك أنظمة توليد النصوص والصور والفيديوهات الذكية.

ويقول محللون إن حرمان الصين من هذه التقنية سيؤدي إلى تباطؤ في تقدم شركاتها الكبرى مثل Baidu وAlibaba وTencent في مجالات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
لكن في المقابل، قد يشجع هذا القرار الشركات الصينية على تسريع تطوير بدائل محلية، وهو ما حدث جزئيًا مع شركة Huawei التي بدأت إنتاج شرائح Ascend الخاصة بها.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى إعادة رسم خريطة الذكاء الاصطناعي العالمي، حيث ستتحوّل المنافسة من شراء التقنيات إلى تطويرها محليًا، في مشهد يشبه سباق التسلح التكنولوجي خلال الحرب الباردة.

 التحليل الاقتصادي والتكنولوجي

يؤكد خبراء الاقتصاد أن الخطوة الأميركية الأخيرة جزء من استراتيجية احتواء شاملة للصين في المجالين الصناعي والتقني.
ويرى الدكتور إريك شتاين، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة هارفارد، أن "الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على التفوق في القطاعات التي ستحدد مستقبل الاقتصاد العالمي، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والرقائق المتقدمة".

ويضيف:

"من خلال منع تصدير تقنيات Blackwell، ترسل واشنطن رسالة واضحة مفادها أن من يمتلك السيطرة على العقول الإلكترونية، سيمتلك اقتصاد القرن الحادي والعشرين."

ويرجّح المحللون أن القرار سيؤدي إلى زيادة الإنفاق الصيني على البحث والتطوير بنسبة قد تتجاوز 30% في عام 2025، حيث ستسعى بكين إلى سدّ الفجوة التقنية بسرعة.
في المقابل، ستحقق الشركات الأميركية مثل Nvidia وAMD وGoogle Cloud مكاسب داخلية نتيجة ازدياد الطلب المحلي على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

 مستقبل الصراع التكنولوجي

يرى مراقبون أن الأزمة الحالية ليست سوى فصل جديد من "الحرب التكنولوجية الباردة" بين الولايات المتحدة والصين.
فمنذ فرض القيود الأولى على هواوي عام 2019، تتصاعد المواجهة بين البلدين لتشمل اليوم مجالات متعددة: من أشباه الموصلات إلى الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية.

ويتوقّع خبراء أن تتسع هذه الحرب لتشمل دولًا أخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، التي تجد نفسها مضطرة للاختيار بين التعاون مع الصين أو الالتزام بالقيود الأميركية.

وفي ظل هذه التطورات، يُتوقع أن يتحوّل سوق الرقائق العالمي إلى محور جيوسياسي بامتياز، تُستخدم فيه التكنولوجيا كسلاح ضغط بين القوى الكبرى.

يمثّل قرار واشنطن بحظر بيع شريحة Blackwell إلى الصين نقطة تحوّل في العلاقات التكنولوجية الدولية.
فما كان يومًا تنافسًا تجاريًا على الأرباح، أصبح الآن سباقًا استراتيجيًا على النفوذ والسيطرة الرقمية.
ومع استمرار التصعيد بين واشنطن وبكين، يبدو أن السنوات القادمة ستشهد تجزئةً رقمية حقيقية للعالم، حيث تتشكل منظومتان منفصلتان للتكنولوجيا — واحدة غربية، وأخرى شرقية — في أكبر انقسام رقمي يشهده العصر الحديث.

مشاركة على: