"جوجل تستحوذ على Wiz بموافقة حكومية"
جوجل تستحوذ على شركة Wiz بعد موافقة الحكومة الأمريكية: صفقة تغيّر خريطة أمن السحابة عالميًا
في خطوة وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ قطاع الأمن السحابي، حصلت شركة جوجل Google رسميًا على الموافقة الحكومية الأمريكية لإتمام صفقة استحواذها على شركة "Wiz"، وهي شركة ناشئة متخصصة في الأمن السيبراني السحابي تأسست عام 2020 في تل أبيب.
الصفقة التي تقدَّر قيمتها بعدة عشرات المليارات من الدولارات تمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار جوجل نحو تعزيز قدراتها في مجال حماية البيانات والبنية التحتية السحابية، في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية سباقًا محمومًا بين عمالقة التكنولوجيا للهيمنة على قطاع الحوسبة السحابية الآمن.
خلفية الصفقة: سباق عالمي نحو أمن السحابة
منذ بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تحوّل الأمن السحابي إلى أولوية قصوى للشركات والحكومات والمؤسسات المالية حول العالم.
ومع تزايد الاعتماد على خدمات التخزين السحابي، وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، باتت الحاجة إلى أنظمة حماية متقدمة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
"Wiz"، الشركة الإسرائيلية المنشأ، استطاعت خلال أربع سنوات فقط أن تحجز لنفسها مكانًا في الصفوف الأولى بين شركات الأمن السحابي.
تعتمد الشركة على تقنيات تحليل المخاطر الفورية، واكتشاف الثغرات في بيئات التخزين السحابي (Cloud Environments)، وتقدم حلولًا ذكية ترصد الهجمات قبل وقوعها.
وقد تجاوز تقييمها قبل الصفقة حاجز عشرات المليارات من الدولارات بعد أن تمكنت من جذب أكثر من 40٪ من كبرى الشركات المدرجة في قائمة Fortune 500 كعملاء دائمين.
جوجل كلاود في مواجهة عمالقة السوق
تُعدّ Google Cloud اليوم ثالث أكبر مزود للحوسبة السحابية عالميًا بعد أمازون AWS ومايكروسوفت Azure.
ورغم نموها المستمر خلال السنوات الأخيرة، إلا أن جوجل ظلت تبحث عن ورقة رابحة تُعزز موقعها التنافسي في هذا القطاع الذي يُعدّ الأسرع نموًا في عالم التكنولوجيا.
من هنا جاءت فكرة الاستحواذ على Wiz كجزء من خطة طموحة لبناء بنية أمنية سحابية متكاملة.
الصفقة تمثل، بحسب مراقبين، نقطة تحوّل في استراتيجية جوجل، إذ إنها لا تشتري فقط شركة برمجيات، بل تستحوذ على منظومة أمنية متكاملة قائمة على الذكاء الاصطناعي والتحليل الفوري.
موافقة حكومية بعد تدقيق مكثّف
استمرت المراجعة الحكومية الأمريكية للصفقة عدة أشهر، وشملت تحليل الجوانب التقنية والأمنية والاقتصادية.
وقد أُعطيت الموافقة بعد تأكيد عدم وجود أي مخاطر تمس الأمن القومي الأمريكي، لا سيما أن Wiz تمتلك جذورًا في إسرائيل وتعمل في مجالات تتعلق بالبنية التحتية الرقمية الحساسة.
الموافقة جاءت بشروط صارمة تضمن التزام Wiz بالإطار القانوني الأمريكي، ونقل بيانات العملاء الأمريكيين إلى خوادم داخل الولايات المتحدة، بما يتماشى مع معايير حماية الخصوصية والأمن القومي.
مكاسب جوجل من الصفقة
تسعى جوجل من خلال هذه الصفقة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية:
تعزيز مكانتها في سوق الأمن السحابي العالمي الذي يُقدّر حجمه بأكثر من 300 مليار دولار سنويًا، مع توقعات نمو تتجاوز 12٪ حتى عام 2030.
توسيع قاعدة عملائها في المؤسسات الكبرى التي تبحث عن حلول أمنية موثوقة لحماية بياناتها الحساسة.
دمج تقنيات Wiz في بنية Google Cloud، ما يجعل خدماتها أكثر أمانًا واستقرارًا، ويُكسبها ميزة تنافسية على حساب Amazon وMicrosoft.
دعم الذكاء الاصطناعي الآمن، حيث تعتزم جوجل استخدام خبرة Wiz في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي محصّنة ضد الاختراقات والتلاعب بالبيانات.
تأثير الصفقة على المنافسين
لا تُعدّ هذه الصفقة مجرد استحواذ تجاري، بل خطوة هجومية على منافسي جوجل في سوق الحوسبة السحابية.
فأمازون، التي تسيطر على أكثر من ثلث السوق العالمي، تعتمد بشكل كبير على منظومة الأمن الداخلي الخاصة بها، بينما تمتلك مايكروسوفت عددًا من التحالفات مع شركات أمنية كبرى.
أما الآن، فمع دخول Wiz تحت مظلة جوجل، باتت المنافسة أكثر تعقيدًا، خصوصًا أن Wiz كانت توفر خدماتها سابقًا للعملاء الذين يستخدمون AWS وAzure.
ويتوقّع محللون أن تُبقي Wiz على جزء من خدماتها المستقلة مؤقتًا، قبل دمجها تدريجيًا في Google Cloud، لتجنّب فقدان عملائها خارج منظومة جوجل.
ردود الأفعال في الأسواق
فور الإعلان عن الصفقة، شهدت أسهم شركة Alphabet (الشركة الأم لجوجل) ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 2٪، ما يعكس تفاؤل المستثمرين بجدوى هذه الخطوة.
في المقابل، أبدت بعض الشركات المنافسة قلقها من احتكار جوجل لمجال الأمن السحابي، خصوصًا في ظل سعيها لتوسيع نفوذها في المؤسسات الحكومية والمالية.
من جانبها، أشادت صحيفة The Wall Street Journal بالصفقة، ووصفتها بأنها "أذكى تحرك لجوجل منذ دخولها عالم الحوسبة السحابية"، معتبرة أن Wiz ستمنح جوجل طبقة دفاع رقمية هي الأقوى في السوق.
أهمية Wiz في النظام الأمني العالمي
شركة Wiz ليست مجرد شركة ناشئة عادية، بل تُعدّ واحدة من أسرع شركات الأمن السحابي نموًا في التاريخ.
فمنذ إنشائها على يد فريق من مهندسي الأمن السابقين في مايكروسوفت، تمكنت من تطوير نظام فريد يراقب بيئات العمل السحابية بشكل لحظي، ويكشف عن أي تغيّرات قد تشير إلى اختراق أو ضعف في البنية الرقمية.
تُستخدم تقنيات Wiz في قطاعات متعددة: من البنوك وشركات التأمين، إلى المستشفيات والمؤسسات الحكومية.
وقد أكّد الرئيس التنفيذي للشركة، آساف رابي، أن الانضمام إلى جوجل سيسمح بتوسيع نطاق حلول Wiz عالميًا، ويمنحها قدرة أكبر على الابتكار ضمن بيئة ضخمة ومستقرة.
رؤية جوجل لمستقبل الأمن السيبراني
منذ عام 2019، بدأت جوجل تستثمر بكثافة في قطاع الأمن السيبراني، سواء عبر الاستحواذات أو تأسيس وحدات متخصصة مثل Google Cybersecurity Action Team.
وتؤمن الشركة بأن مستقبل الحوسبة السحابية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن، إذ لا يمكن لأي مؤسسة أن تعتمد على خدمات سحابية دون ضمان حماية بياناتها الحساسة.
ويأتي استحواذها على Wiz كخطوة في هذا الاتجاه، حيث تعتزم جوجل توسيع استثماراتها في الذكاء الاصطناعي الآمن (Secure AI)، وهو المجال الذي يتقاطع فيه الأمن السيبراني مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
التأثيرات الاقتصادية والتكنولوجية الأوسع
من الناحية الاقتصادية، تمثل الصفقة تحفيزًا لسوق الشركات الناشئة في مجال الأمن السيبراني، خاصة في إسرائيل وأوروبا.
إذ من المتوقع أن تُشجع هذه الخطوة مستثمرين آخرين على ضخّ رؤوس أموال في شركات ناشئة مماثلة على أمل تكرار نجاح Wiz.
أما من الناحية التقنية، فسيؤدي دمج تقنيات Wiz في Google Cloud إلى رفع مستوى الأمان لملايين المستخدمين حول العالم، سواء من الشركات أو المؤسسات التعليمية والبحثية، مما يخلق بيئة رقمية أكثر أمانًا.
التحديات التي تواجه جوجل بعد الاستحواذ
رغم الحماس الكبير للصفقة، إلا أن هناك تحديات تنظيمية وتقنية تنتظر جوجل:
دمج الأنظمة: من الصعب دمج منظومتين أمنيتين معقدتين دون التأثير على استقرار الخدمات السحابية.
الحفاظ على عملاء Wiz خارج Google Cloud: تحتاج جوجل إلى موازنة بين توسّعها وحماية علاقات Wiz السابقة.
الضغوط السياسية والتنظيمية: نظرًا لجذور Wiz الإسرائيلية، قد تواجه الصفقة تدقيقًا إضافيًا في بعض الأسواق الأوروبية والعربية.
تُعدّ صفقة استحواذ جوجل على Wiz أكثر من مجرد توسّع تجاري؛ إنها تحرك استراتيجي لإعادة رسم حدود الأمن السحابي عالميًا.
ففي وقت تتزايد فيه التهديدات السيبرانية وتعقّدها، تسعى جوجل إلى أن تكون في طليعة من يوفر الحماية الذكية عبر الدمج بين الأمن الاصطناعي والذكاء السحابي.
ويرى محللون أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد تحالفات واستحواذات مماثلة بين شركات التكنولوجيا الكبرى، إذ لم يعد الأمن خيارًا ثانويًا بل محور المنافسة الحقيقي في اقتصاد البيانات.
ومع اكتمال هذه الصفقة، يبدو أن جوجل قد وضعت حجر الأساس لعصر جديد من الأمن السحابي المتكامل، حيث تصبح البيانات أكثر أمانًا، والخدمات أكثر كفاءة، والمستخدمون أكثر ثقة في العالم الرقمي.