«إسطنبول تستقبل مشروع كوزي أَدالار بـ30 مليار ليرة»
في خطوة تسعى من خلالها تركيا إلى تجديد ديناميكية سوق الإسكان وتوسيع فرص التملك للمواطنين، أعلنت شركة Emlak Konut GYO إطلاق مشروع سكني ضخم في قلب مدينة إسطنبول، تحديداً في حي كارتال المطل على جزر الأميرات، تحت مسمى «كوزي أَدالار» (Kuzey Adalar Projesi)، باستثمار تقديري يبلغ نحو 30 مليار ليرة تركية.
وجاء الإعلان خلال حفل إطلاق أعلن فيه المدير العام للشركة، ياسر يلماظ، أن المشروع لا يهدف فقط إلى بناء وحدات سكنية فحسب، بل إلى «خلق نافذة جديدة لإسطنبول تطلّ على البحر»، لافتا إلى أن هذا المشروع «سيساهم في تطوير المنطقة الاقتصادية والاجتماعية» في حي كارتال.
وأوضح أن المشروع يتضمن تقديم ما وصفه بـ«نموذج المنزل الجديد – Yeni YuvaModeli» الذي يمنح المواطنين إمكانية التملك بشروط مُيسّرة: بدون دفعة أولى، بدون فوائد، وبأقساط تصل حتى 60 شهراً.
تفاصيل المشروع
بحسب ما كشف عنه الإعلان، يحتوي المشروع على 15 بُلوكاً تضم إجمالاً 2 281 وحدة سكنية و132 وحدة تجارية، ليبلغ عدد الوحدات المستقلة فيه 2 413 وحدة.
وتم تصميم المشروع ليشمل مساحة كبيرة من المسطحات الخضراء: نحو 45 000 متر مربع من المساحات الطبيعية المفتوحة، و25 000 متر مربع حديقة متصلة، و5 200 متر مربع مرافق اجتماعية مشتركة.
يُذكر أيضاً أن المشروع سيتم على قطعة أرض تبلغ مساحتها نحو 90 000 متر مربع، وتقع في موقع حيوي قريب من وسائل النقل: محطة مترو Marmaray، مطار Sabiha Gökçen، ومراسي جزر الأميرات، مما يعزز القيمة الاستثمارية للمشروع وسهولة الوصول إليه.
الخلفية والتحديات في سوق الإسكان التركي
يأتي هذا المشروع في وقت تشهد فيه تركيا تحولات في قطاع العقارات والسكن، وسط ضغوط اقتصادية ومصرفية، لكن أيضاً رغبة في تحفيز النمو والمساكن الميسّرة. شركة Emlak Konut تُعد من الجهات الرائدة في القطاع العقاري التركي، وقد تم تأسيسها عام 1953 وتحوّلت إلى شركة استثمار عقاري (GYO) في 2002، وتُعد مرجعاً في البناء الحضري والتوسع العمراني.
وقد صرّحت الشركة بأن أدائها في الأشهر التسعة الأولى من 2025 أظهر نمواً ملموساً، إذ باعت 4 832 وحدة مستقلة، بإيرادات تجاوزت 57 مليار ليرة، مقارنة بـ2 143 وحدة وإيرادات نحو 21 مليار ليرة نفس الفترة من العام السابق، ما يمثل زيادة بنسبة تقارب 125 % في الوحدات و168 % في الإيرادات.
إلا أن هذه الوتيرة السريعة في النمو تطرح تساؤلات حول استدامتها، خصوصاً مع التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي؛ مثل التضخم المرتفع، تقلب أسعار العملات، وارتفاع كلفة البناء. كما أن الرقابة على جودة التنفيذ والالتزام بمواعيد التسليم تصبح عاملًا حاسماً أمام المشترين والمستثمرين.
لماذا يُعد المشروع مهماً؟
أولاً، لأنه يُقدّم نموذج تمويل مبتكر في السوق العقاري التركي؛ الشروط «بدون دفعة أولى، بدون فوائد، وتقسيط طويل الأجل» قد تفتح الباب أمام شرائح أوسع من المواطنين الذين يرغبون في التملك لكن يواجهون صعوبات مادية.
ثانياً، موقع المشروع في كارتال المطلّ على جزر الأميرات – وهو أحد الأحياء الناشئة في الجانب الآسيوي من إسطنبول – يعزز من جاذبيته الاستثمارية، خاصة مع قربه من المواصلات والمرافق الأساسية.
ثالثاً، ضخّ مبلغ استثماري ضخم (30 مليار ليرة) يعكس ثقة من مطوّر كبير في القطاع رغم الضغوط الاقتصادية، مما قد يحفّز مشروعات إضافية ويُظهر جغرافيا التوسع العمراني في تركيا نحو المناطق البحرية والمطلّة على البحر.
رابعاً، من منظور استراتيجي، المشروع يسهم في خلق بيئة سكنية متكاملة تشمل السكن والتجارة والخدمات والمساحات الخضراء، ما يتوافق مع توجهات مدن أكثر نظافة، استدامة، وتكاملاً سكنياً.
ردود الأفعال
ردود الأفعال في الأوساط العقارية والإعلامية كانت إيجابية إلى حد كبير. حيث اعتُبر المشروع خطوة نوعية في علاقتها بين الدولة، الشركات العقارية، والمواطن. وكما ذكر يلماظ، النموذج الجديد للتمويل «جلب نسمةً جديدة إلى قطاع الإسكان».
من جهة المستهلكين، مع توفر مثل هذه الشروط، يُتوقع أن يزداد الإقبال على الحجز المبكر أو الاستثمار في هذه الوحدات، لا سيما من جانب العائلات ونحو «المستثمر الصغير» الذي يريد الحصول على وحدة عبر تمويل يسير.
كما يرى خبراء أن هذا النوع من المشاريع قد يُساعد في تخفيف الضغط على السوق التقليدية، وقد يُقلّص عدد العرّافات أو الوسطاء، ويزيد من شفافية العقود والتمويل.
التأثيرات المحتملة على الاقتصاد والعقار
على المستوى الاقتصادي، سيُسهم المشروع في تحريك عجلة البناء، التشييد، والخدمات المرتبطة – من العمالة، مواد البناء، النقل، التجزئة داخل الوحدات التجارية، وغيرها. وهذا بدوره يعزّز الاقتصاد المحلي في كارتال والمناطق المجاورة.
على مستوى السوق العقاري، قد يؤدي إلى رفع معايير الجودة والتشغيل في مشروعات مماثلة، زيادة المنافسة على نماذج تمويل مبتكرة، وربما نموّ الطلب على وحدات تطل على البحر أو قرب وسائل النقل، ما يسهم في رفع أسعار الأراضي والمتر في تلك المناطق.
من ناحية اجتماعية، فتح التمويل بلا دفعة أولى أو فوائد قد يُساهم في رفع نسبة التملك خاصة بين ذوي الدخل المتوسط، وقد يُقلّل من الضغوط السكنية على الشرائح التي تتأثر بارتفاع الإيجارات.
لكن هناك جانب تحفظي يجب أن يُؤخذ في الحسبان: هل يسير تنفيذ المشروع بسرعة كما هو مخطّط؟ هل تلتزم الشركة بالمواعيد؟ هل تتماشى الأسعار النهائية مع توقعات المشترين؟ وتأثير التضخم وتكاليف البناء قد يؤدي إلى مراجعة الأسعار أو التأخير في التسليم.
التحديات والمخاطر
رغم المعطيات الإيجابية، لا ينبغي تجاهل عدد من المخاطر:
التضخم والليرة التركية: مع تذبذب سعر صرف الليرة وضغط التضخم، قد تتغيّر تكلفة البناء أو سعر الوحدة النهائي، مما قد يؤثر على الربحية ويُخشى أن تتأثر شروط التمويل.
التأخير في التنفيذ: مشروعات بهذا الحجم غالباً ما تواجه تأخيرات في التسليم، ما قد يُربك المشترين والتمويل، ويُضعف الصورة العامة للمشروع.
العرض في السوق: مع تزايد عدد المشروعات الكبرى في إسطنبول والمناطق المحيطة، قد يُصبح هناك فائض وحدات أو تنافس شديد بين المطوّرين، ما قد يُضغط على الأسعار أو الطلب.
البيئة التنظيمية والتمويلية: النموذج «بدون دفعة أولى، بدون فوائد» هو جذّاب، لكن يجب أن يكون التنفيذ متماسكاً مع القوانين والتمويل البنكي أو البدائل، وإلا فقد يواجه صعوبات في تجميع الإيرادات أو تغطية التكاليف.
الطلب المستقبلي: رغم الاهتمام الحالي، الطلب الحقيقي يعتمد على قدرة الشرائح المتوسطة على الدفع، وعلى استقرار الاقتصاد التركي وقدرة الأسر على الالتزام بالدفع لفترات طويلة.
ماذا يعني ذلك للمشترين والمستثمرين؟
بالنسبة للمشترين الذين يرغبون في التملك، يوفر المشروع فرصة مناسبة: موقع مميز، تمويل ميسر، وتصميم حديث ومساحات خضراء وخدمات. لكن عليهم أن يسألوا الأسئلة التالية: ما هي الأسعار النهائية؟ ما هو نوع الوحدة (مساحة، عدد غرف، الطابق، الإطلالة)؟ ما هو جدول التسليم؟ ما هي شروط العقد؟
بالنسبة للمستثمرين العقاريين، قد يكون المشروع فرصة لاستثمار طويل الأجل، سواء من خلال تأجير الوحدات أو بيعها بعد التسليم، لا سيما إذا ارتفعت قيمة العقار بحكم الموقع والإطلالة. لكن عليهم حلّ مسائل مثل السيولة، المخاطر التمويلية، وتوقيت البيع.
بالنسبة للمطورين الآخرين أو مقاولين العقار، هذا المشروع يشير إلى تنامي المنافسة وتحول النموذج نحو «التمويل الميسر»، ما قد يضغط على أساليب التمويل التقليدية ويحفّز ابتكار أشكال تمويل جديدة.
آفاق المستقبل
يُتوقع أن يُضفي مشروع «كوزي أَدالار» زخماً إضافياً على حي كارتال والمناطق المجاورة، ويُسهم في تحوّل بعض الأحياء من مجرد سكن إلى مجمعات متكاملة تضم السكن والتجارة والخدمات والبيئة الخضراء. إذا نجح في التسليم في الوقت المحدد وبالجودة المتوقعة، فإنه قد يُصبح نموذجاً يُحتذى به في تركيا.
ومن جهة أخرى، قد نشهد تجاوزاً لهذا النموذج وتمديده إلى مناطق أخرى، أو تطوير في شكل التمويل العقاري في تركيا، مما يفتح الباب أمام مزيد من المشاريع التي تعتمد التمويل بدون دفعة أولى أو بدون فوائد.
لكن، كل ذلك مرهون بانضباط الخطة الزمنية، واستقرار الأوضاع الاقتصادية، واستمرار الطلب من الجمهور. في حال حدوث اضطراب اقتصادي أو انخفاض الطلب، فقد يتأخر المشروع أو تُراجع التوقعات.
الخلاصة
مشروع «كوزي أَدالار» يمثل واحدة من أكبر المبادرات العقارية في إسطنبول حالياً، ويجمع بين موقع متميّز، تمويل مبتكر، واستثمار ضخم. إنه ليس مجرد بناء وحدات سكنية، بل خطوة استراتيجية نحو إعادة تشكيل المشهد العمراني في تركيا، وفتح آفاق لمواطنين كانوا قد يعانون من صعوبة التملك. ومع ذلك، فإن نجاح المشروع لن يُقاس بالإعلان فحسب، بل بالتنفيذ، والتسليم، والجودة، وتحقيق القيمة للمشتري والمستثمر.
إذا تمكنت Emlak Konut من تحقيق ما وعدت به، فقد يكون المشروع نقطة تحول في سوق العقارات التركية. وإذا لم يحدث، فسيكون درساً في ضرورة الحذر والواقعية في الاستثمار العقاري الكبير.