البنك المركزي التركي يسرّع خطوات إدخال الليرة الرقمية
أنقرة – 5 نوفمبر 2025
في خطوة استراتيجية جديدة ضمن مسار التحول الرقمي في الاقتصاد التركي، أعلن البنك المركزي لجمهورية تركيا (CBRT) عن تسريع العمل في مشروع الليرة التركية الرقمية، استعدادًا لإطلاق المرحلة القانونية والتنفيذية منه خلال عام 2026.
تهدف هذه الخطوة إلى إدماج الليرة الرقمية ضمن النظام المالي الوطني، وتعزيز موقع تركيا في سباق التحول العالمي نحو العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC).

🔹 الليرة الرقمية تدخل مرحلة جديدة من التطوير
وفقًا لما ورد في البرنامج الرئاسي السنوي لعام 2026، سيواصل البنك المركزي التركي العمل على تطوير واختبار واستخدام الليرة الرقمية بطرق أكثر فعالية داخل النظام المالي.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن العام المقبل سيشهد إعداد اللوائح القانونية التي ستمكّن من إدخال الليرة الرقمية رسميًا في التداول المحلي، بالتوازي مع استكمال دراسات المحاكاة وتحليل الأثر الاقتصادي على النظام المالي والنقدي.

اختبارات تقنية وتحليلية متقدمة
أكد البنك المركزي أنه سيجري دراسات محاكاة داخلية تهدف إلى تقييم التأثيرات المحتملة لاعتماد النقود الرقمية على البنوك، والمؤسسات المالية، وسلوك المستهلكين.
كما سيتم دمج مؤسسات الوساطة المالية في النظام التجريبي لليرة الرقمية، مع فتح الباب أمام مشروعات التكنولوجيا المالية المبتكرة (FinTech) للمشاركة في عملية التطوير.
وسيقوم البنك بإطلاق دراسات إثبات المفهوم (Proof of Concept) لاستخدام العملة الرقمية في تسوية وتبادل الأوراق المالية الرمزية، إلى جانب إجراء تحليلات فنية لتحديد المتطلبات التقنية الخاصة بعمليات المقايضات المالية (Swaps) بين المؤسسات.
الدعوة إلى المشاركة في النظام البيئي للعملات الرقمية
في إطار توسيع قاعدة التعاون، نشر البنك المركزي في سبتمبر الماضي دعوة رسمية بعنوان:
"المشاركة في النظام البيئي لمشروع الليرة التركية الرقمية"،
ودعا فيها البنوك ومؤسسات الدفع والأموال الإلكترونية ومزوّدي الحلول التكنولوجية إلى الانضمام إلى المشروع وتطوير حالات استخدام مبتكرة ضمن منظومته.
وجاءت هذه الدعوة استنادًا إلى نتائج تقرير التقييم للمرحلة الأولى، الذي عرض فيه البنك أبرز إنجازاته في بناء البنية التحتية التقنية اللازمة لعملة رقمية وطنية آمنة وقابلة للتطبيق التجاري.
وقد أكّد التقرير أن الليرة الرقمية التركية ليست مجرد بديل للنقد الورقي، بل عنصر محوري في النظام البيئي للتقنيات المالية (FinTech Ecosystem) الذي تسعى أنقرة إلى ترسيخه.
مراحل المشروع: من الاختبار إلى التنفيذ
يتكوّن المشروع من ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى (2021–2023): ركّزت على بناء البنية التحتية الرقمية والتكامل التقني مع أنظمة المدفوعات الوطنية.
المرحلة الثانية (2024–2025): تركز على توسيع الشراكات مع القطاع الخاص واختبار استخدامات جديدة للنقود الرقمية، وتشمل التجارب على نطاق محدود.
المرحلة الثالثة (2026): المقرّر أن تشهد الإطلاق التدريجي الرسمي بعد استكمال الإطار القانوني والتنظيمي.
وخلال هذه المراحل، نشر البنك تقارير مرحلية، أبرزها تقرير “Digital Turkish Lira – Phase II Progress Report” المتوقع صدوره قبل نهاية عام 2025، والذي سيستعرض نتائج الاختبارات التقنية ومؤشرات الأداء الأولية.
أهداف المشروع وتأثيره المتوقع
يهدف مشروع الليرة الرقمية إلى:
تعزيز الشمول المالي وتوسيع نطاق الخدمات المصرفية الرقمية.
خفض تكاليف المعاملات النقدية وتحسين كفاءة المدفوعات المحلية.
رفع مستوى الأمان والشفافية في أنظمة الدفع الوطني.
دعم التحول إلى الاقتصاد غير النقدي.
تعزيز موقع تركيا الإقليمي كمركز لتقنيات الدفع الحديثة.
ويتوقع الخبراء أن يؤدي التطبيق الكامل للمشروع إلى تحسين سرعة التحويلات الداخلية، وتسهيل التكامل مع أنظمة الدفع الدولية المستقبلية، وخاصة ضمن مشاريع التعاون الاقتصادي مع آسيا وأوروبا.
البنية التحتية التقنية والأمن السيبراني
أشار البنك المركزي إلى أن الليرة الرقمية ستعتمد على بنية تحتية هجينة تجمع بين تقنيات البلوكشين (Blockchain) وأنظمة الدفع المركزية التقليدية.
كما سيتم التركيز على تعزيز أمن البيانات وحماية الخصوصية بما يتماشى مع القوانين التركية والدولية.
وسيتعاون البنك مع مؤسسات أكاديمية وخبراء أمن معلومات لتطوير نظام أمان متعدد الطبقات يمنع أي محاولات اختراق أو تزوير رقمي.
مشاركة القطاع الخاص
ضمن خططه لتوسيع النظام البيئي، يعتزم البنك المركزي فتح المجال أمام الشركات الخاصة للمشاركة في تطوير المحافظ الرقمية ومنصات الدفع المعتمدة على الليرة الرقمية.
وسيُسمح للبنوك والمؤسسات المالية المصرّح لها بتقديم خدمات المحافظ الإلكترونية (e-Wallets) التي تتيح للمستخدمين إجراء التحويلات والمدفوعات بسهولة عبر الهواتف الذكية والتطبيقات البنكية.
موقف الخبراء والمحللين
رحّب عدد من الخبراء بهذه الخطوة، معتبرين أن تسريع العمل في مشروع الليرة الرقمية يعكس رغبة تركيا في مواكبة التطورات العالمية في مجال العملات الرقمية السيادية.
وأشاروا إلى أن هذه المبادرة تضع تركيا ضمن مجموعة الدول المتقدمة في مجال التحول النقدي الرقمي إلى جانب الصين، والسويد، والإمارات، والمملكة المتحدة.
من جهة أخرى، يحذّر اقتصاديون من تحديات محتملة مثل:
ضرورة حماية النظام من الهجمات السيبرانية.
إدارة الانتقال بين النقد التقليدي والنقد الرقمي دون اضطرابات مالية.
وضوح الإطار القانوني لضمان حقوق المستخدمين والمؤسسات المالية.
الخلاصة
من خلال تسريع مشروع الليرة التركية الرقمية، يؤكد البنك المركزي عزمه على قيادة التحول المالي الرقمي في البلاد.
عام 2026 سيكون عامًا محوريًا، إذ يُنتظر فيه صدور القوانين النهائية وبدء الاختبارات الموسعة لتطبيق الليرة الرقمية ضمن المعاملات المحلية.
ومع تكثيف التعاون بين القطاعين العام والخاص، تسير تركيا بخطى ثابتة نحو مستقبل نقدي رقمي متكامل وآمن.