«صناعة النسيج التركية في مفترق صعب عام 2025»

«صناعة النسيج التركية في مفترق صعب عام 2025»
«صناعة النسيج التركية في مفترق صعب عام 2025»

تقرير: «صناعة النسيج التركية في مفترق صعب عام 2025»

صناعة النسيج التركية في مفترق حاسم: أزمة اليوم تسمّم تنافس الغد

في أكتوبر 2025، يبدو أن أحد ركائز الاقتصاد التركي الصناعية ــ قطاع النسيج والملابس الجاهزة ــ يعاني ضغوطاً غير مسبوقة، ما يثير تساؤلات جديّة حول قدرته على الاستمرار في الموقع الذي احتله لعقود طويلة. هذا القطاع، الذي كان يُعدّ «القلب الصناعي» لمدن الأناضول والمشغّل الرئيسي لمئات الآلاف من العمال، يواجه اليوم انخفاضاً حادّاً في الصادرات، وإغلاقاً للمصانع، وهجرة للإنتاج إلى الخارج، ما يجعله أمام مفترق خطير: إما التجديد أو التراجع.

الضغوط بدأت تظهر للعيان خلال الأشهر السابقة، إلا أن التقديرات الأخيرة، وخصوصاً تلك المتداولة في منتصف أكتوبر، تشير إلى أن الإنتاج قد يتوقّف في غضون ستة أشهر إذا لم تتدخّل الدولة أو القطاع الخاص بشكل عاجل. ففي 15 أكتوبر، أفاد تقرير في موقع Turkish Minute بأن قادة الصناعة قالوا بأن “إنتاج الملابس الجاهزة قد يتوقّف في ستة أشهر” ما لم تُحسّن السياسات بيئة التكلفة.

بُعد التراجع والتصدير

بيانات التصدير للثمانية أشهر الأولى من عام 2025 تشير إلى استمرار التراجع. على سبيل المثال، في الفترة من يناير إلى أغسطس، انخفضت صادرات النسيج والملابس إلى نحو 17.2 مليار دولار مقابل نحو 18 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، أي تراجع بنسبة ~4.4%.  كما أن الملابس الجاهزة وحدها شهدت انخفاضاً بنحو 8 % إلى 9.7 مليار دولار تقريباً. 

وبحسب تقرير لـ Kohan Textile Journal نشر بتاريخ 15 أكتوبر، فإن القطاع فقد إنتاجاً يُقدّر بـ 7 مليارات دولار وأتلف نحو 210 000 وظيفة خلال السنوات الأخيرة. 

هذه الأرقام واعدة بالتراجع العميق، لا مجرد تقلب موسمي، بل انفصال طويل الأمد في مسار تنافس هذا القطاع. حيث كانت تركيا تعتمد سابقاً على موقعها الجغرافي قرب أوروبا، وسرعتها في التوريد، وتكاليف إنتاج مقبولة، لكن التغيرات الآن تهدِّد هذه المزايا. 

ما الذي يضغط على الصناعة؟

أسباب الضغوط متعددة ومتداخلة. أولاً، تكاليف الإنتاج المقومة بالليرة التركية ارتفعت بنحو 26.5٪ عند احتسابها بالدولار، بحسب تصريحات رئيس رابطة مصدّري النسيج والألبسة لعام 2025.  تزامن ذلك مع معدلات فائدة مرتفعة، وضغوط نقدية، وسعر صرف متذبذب، ما جعل المنتج التركي أقل تنافسية مقارنة بمنافسين من آسيا أو الشرق الأوسط. 

ثانياً، يُلاحظ انتقال خطوط الإنتاج إلى بلدان ذات كلفة إنتاج أقل مثل مصر، ما يُفقد تركيا بعض الميزات التقليدية. تقرير لـ Daily News Egypt بتاريخ 13 أكتوبر 2025 وثّق أن مصر تسعى لجذب شركات نسيج تركية للاستثمار في مجال الصناعات المُساندة للمنسوجات. 

ثالثاً، انخفاض الطلب في أوروبا، وهو السوق التقليدي لتركيا، ساهم في الضغط. حسب بيانات غير رسمية، الصادرات التركية إلى الاتحاد الأوروبي تتراجع، رغم النمو النسبي في بعض أسواق إفريقيا. 

التأثيرات الاجتماعية والوظيفية

من بين أكثر الأبعاد إثارة للقلق، فقدان الوظائف وانكماش القدرة الإنتاجية. تقرير أعده IntelliNews في مطلع أكتوبر 2025 يُشير إلى أن نحو 350 000 وظيفة قد ضاعت في قطاع النسيج والألبسة خلال السنوات القليلة الماضية. 

في مدن الأناضول التي اعتمدت كثيراً على هذا القطاع – مثل غازي عنتاب، بورصة، كوجالي – يشعر العمال بأن الأزمة تتعمّق، ليس مجرد بطء في النمو. تصريحات مصنّعين وحذف استثمارات تشير إلى أن “ما لم يُعمل قريباً، ستغلق المصانع”.

الأثر ليس فقط اقتصاديّاً بل اجتماعيّاً؛ فهذه الوظائف غالباً ما كانت من بين القليلة المتاحة للعمال ذوي المهارات المحدودة، ما يجعل تحوّل هذه الصناعة potential تحولاً في بنية العمالة بكاملها.

التحول والفرص المحتملة

لكن ليس كل المشهد سوداويًا؛ فلا تزال هناك جهود لتحويل المعادلة من “إنتاج منخفض التكلفة” إلى “تصنيع عالي القيمة”، والتركيز على الابتكار، والتوجه نحو المنسوجات التقنية، والمشغولات المتخصصة. Kohan Textile Journal اعتبرت أن ما يحدث ليس انهياراً بقدر ما هو “بداية فصل جديد”. 

بعض الشركات التركية بدأت الاستثمار في خطوط متخصصة، مثل ألياف التصنيع الفني، الأقمشة المقاومة للنيران، أو المنسوجات الذكية، ما يمنحها مجالاً جديداً في أسواق متنامية. 

وفي سياق التوسع الخارجي، تحركات الاستثمار التركي في مصر تُعد من أبرز الأمثلة، ما يعني أن تركيا تتحول من مركز تصنيع تقليدي إلى مركز تصميم، ابتكار وتصدير، وربما تدير إنتاجًا خارجيًا تحت علامتها التجارية.

ما المطلوب من السياسات؟

قادة الصناعة يجمعون على أن النهوض يتطلب تدخل الدولة بسرعة. تصريحات رئيس رابطة مصدّري النسيج أشارت إلى أنّ “الدعم الحكومي ليس خياراً بل واجباً” إذا ما أرادت تركيا الحفاظ على هذا القطاع كركيزة صناعية للاقتصاد. 

من المطلوب:

تخفيض تكاليف الطاقة والسرعة في الإصلاحات التنظيمية.

حوافز للاستثمار في الإنتاج المتخصص والمنسوجات التقنية.

ضبط سريع لسعر الصرف أو توفير قنوات ائتمان ميسّرة للصناعة.

دعم التحوّل الرقمي والتشغيل الآلي في المصانع.

تنويع الأسواق التصديرية بعيداً عن الاعتماد التقليدي على أوروبا.

ماذا يعني هذا للمستقبل العربي والأفريقي؟

يبقى الاستثمار التركي في الخارج علامة بارزة: مصر على سبيل المثال تستهدف جذب الشركات التركية والإفادة من التجربة والخبرة التركية، وهي تحوّل واضح في الجغرافيا الصناعية. 

على مستوى التصدير، تبدو الأسواق الإفريقية والأسيوية كفرص واعدة للمنسوجات التركية، خاصة إذا ما تعاملت الشركات مع متغيرات مثل الاستدامة، والأقمشة التقنية، والتوريد القريب (near‑shoring). بيانات أغسطس 2025 تشير إلى أن صادرات تركيا إلى إفريقيا نمت بنسبة ~19٪، ما يدل على أن التوجّه يتحول بالفعل.

الخلاصة

إن قطاع النسيج والملابس في تركيا، كما يظهر في أكتوبر‑نوفمبر 2025، ليس أمامه مجرد أزمة، بل أمام “تحوّل مركّب” قد يعيد تشكيل مكانته. مئات الآلاف من الوظائف مهددة، آلاف المصانع تحت ضغط، لكن في المقابل هناك بوادر تحول نحو إنتاج ذي قيمة أعلى، واستثمار خارجي، واتّجاه نحو الأسواق الناشئة. ما سيحسم الأمر هو سرعة الاستجابة – سواء من قبل الشركات أو الدولة – وإمكانية تنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية.

باختصار: المصنع التركي إما أن “يُجدّد نفسه ويصعد نحو الجودة والابتكار”، أو أن “يتراجع تدريجياً ويخسر حصّته لصالح دول ذات كلفة إنتاج أدنى”. وفي كلتا الحالتين، ما يحدث الآن يُعدّ نقطة انعطاف، ليس فقط لصناعة النسيج التركية، بل لاقتصاد المناطق الصناعية في الأناضول، وللملايين الذين يعتمدون على هذا القطاع كمصدر رزق مباشر.

مشاركة على: