تحذيرات إركان تثير جدلًا واسعًا في تركيا

تحذيرات إركان تثير جدلًا واسعًا في تركيا
تحذيرات إركان تثير جدلًا واسعًا في تركيا

تحذيرات إركان تثير جدلًا واسعًا في تركيا

في الأسابيع الأخيرة، اشتعل الجدل في تركيا حول تصريحات عالم الزلازل التركي المعروف Prof. Dr. Övgün Ahmet Ercan، التي أثارت حالة كبيرة من النقاش بين المواطنين والمهندسين والعقاريين وصانعي القرار. ففي مقابلات متعددة، وجّه إركان سلسلة تحذيرات شديدة اللهجة حول بعض الأحياء والمناطق في تركيا، محذرًا السكان من شراء منازل فيها، بل داعيًا بعضهم إلى مغادرة أماكنهم.
وقد نشرت منصة Memurlar.net تقريرًا لاقى انتشارًا واسعًا، طرحت من خلاله سؤالاً أثار ضجة:
هل تصريحاته تحذير علمي أم أنّها تحمل في طياتها “نصيحة استثمارية” مبطّنة قد تؤثر على أسعار العقارات؟

هذا الجدل لم يهدأ، بل ازداد مع دخول خبراء العقارات والزلازل والإسكان على الخط، محذّرين من أن تصريحات عامة وغير مفصلة قد تسبب ذعرًا جماعيًا وتؤثر على سوق العقارات، في حين يرى آخرون أن تحذيرات إركان طبيعية ومن واجبه العلمي التحذير من وقوع زلازل محتملة.

أولاً: مضمون التصريحات المثيرة للجدل

في التصريحات التي نقلتها Memurlar.net، قال البروفيسور إركان بشكل مباشر:

"لا تشتروا منازل في هذه الأحياء… وإذا كنتم تعيشون فيها، فانتقلوا فورًا."

هذا الأسلوب المباشر في التحذير، دون تفصيل هندسي دقيق، أحدث صدمة لدى الكثيرين، خصوصًا في وقت يعاني فيه المواطن التركي من تحديات اقتصادية وصعوبة شراء العقارات بسبب ارتفاع الأسعار.

إركان لم يكتفِ بذلك، بل أشار إلى مناطق بعينها تُعد اليوم مركزًا لعمليات التحول الحضري، مما جعل البعض يرى أن تصريحاته قد تعرقل خطط الدولة في إعادة تأهيل الأبنية المعرضة للخطر.

ثانياً: خلفية عن البروفيسور إركان وأهميته العلمية

يُعد أوفغون أحمد إركان من أشهر علماء الزلازل في تركيا، وله عشرات الكتب والأبحاث، ويظهر باستمرار في البرامج التحليلية.
وقد اكتسب ثقة قطاع عريض من المواطنين بسبب توقعاته السابقة وتصريحاته التي اتضح لاحقًا دقتها، خصوصًا بعد زلزال 6 فبراير 2023.

لكن شعبيته الكبيرة جعلت تصريحاته حساسة للغاية، إذ يكفي أن يذكر اسم حي أو منطقة ليؤدي ذلك إلى ارتفاع الطلب أو انهياره دفعة واحدة

ثالثاً: لماذا يصف البعض تصريحاته بأنها "تحذير استثماري"؟

السبب في انتشار هذا الاتهام يعود إلى 3 نقاط رئيسية:

1. التأثير المباشر على أسعار العقارات

عندما يخرج عالم بحجم إركان ويقول إن “الحياة خطيرة في منطقة كذا”، فإن أسعار الشقق تهبط فورًا.

وقد وثقت بعض الوكالات العقارية انخفاضًا في حجم البحث العقاري عن بعض المناطق بعد تصريحاته، حتى قبل أن يتم التأكد إن كانت هذه المناطق مصنّفة حقًا ضمن فئة الخطر.

2. غياب التفاصيل الهندسية الدقيقة

الخبراء يتساءلون:
إذا كانت منطقة ما خطرة، فهل السبب هو:

نوع التربة؟

قربها من خط صدع؟

ضعف المباني؟

المياه الجوفية؟

أم أن الخطر نتيجة عوامل مركبة؟

غياب التفصيل يجعل التصريحات شديدة التأثير وغير قابلة للقياس تقنيًا.

3. تشكيك بعض العقاريين

عدد من ممثلي قطاع العقار صرّحوا بأن تحذيرات عامة قد تُفسَّر كنوع من إعادة توجيه الاستثمار، خاصة أن بعض المناطق التي حذر منها هي مناطق ذات أسعار مرتفعة ومشاريع قائمة.

رابعاً: موقف الخبراء الذين ردّوا على إركان

1. الجمعية التركية للجيولوجيين

صرّحت بأن تقييم المخاطر يجب أن يستند إلى تقارير هندسية ميدانية، وليس تصريحات علنية.

2. خبراء الإسكان والتحول الحضري

قالوا إن مثل هذه التصريحات قد تعرقل مشاريع التجديد.

وقد يحتاج السكان سنوات من الانتظار لإعادة بناء منازلهم.

وبالتالي فإن نشر الذعر دون وجود حلول تنفيذية يعرّضهم لمزيد من المعاناة.

3. محللون اقتصاديون

أشاروا إلى أن أي تصريح يؤثر على الأسواق يجب أن يكون مدعومًا ببيانات علمية.
فالأسواق العقارية حساسة، وقد تتضرر بشدة من تحليل مبني على تقديرات غير دقيقة.

خامساً: ماذا يقول إركان ردًا على الاتهامات؟

في لقاء نشرته وسائل إعلام تركية، قال إركان:

"أنا لا أقدم نصيحة استثمارية. أنا عالم، وواجبي أن أحذّر. إذا كانت منطقة ما خطيرة، فلا أحد يستطيع أن يمنعني من قول الحقيقة."

كما أكد في تصريحات أخرى:

أن التحذير من الزلازل واجب إنساني.

وأنه يتحدث بناءً على معايير خطر مقبولة في علم الجيولوجيا.

وأن على الحكومة وضع قواعد صارمة للبناء بدلًا من انتقاد من يحذر المواطنين.

لكنه اعترف بنفس الوقت أن “الخوف الجماعي يجب تجنّبه”، وأن بعض وسائل الإعلام تضخم تصريحاته أحيانًا.

سادساً: رصد لمواقفه السابقة التي زادت الجدل

1. تحذيره لمدينة إزمير

قال إركان إن أجزاء من إزمير معرضة لخطر زلزال مدمر بسبب نوع التربة، ما أثار مخاوف واسعة.

2. تحذيره لمدينة بالكسير

صرّح بأن المنطقة قد تتعرض لزلزال بقوة 7 درجات لأنّ بعض خطوط الصدع فيها "نشطة".

3. تحذيره لبعض مناطق إسطنبول

وفي سياق آخر قال:

“من يهرب من إسطنبول قد يعود إليها، لأن الخطر موجود ولكن ليس كما يتم تصويره.”

مما خلق حالة من الغموض في خطابه الإعلامي:
مرة يُخفف القلق… ومرة يُصعّده.

سابعاً: البعد الاجتماعي والنفسي لتصريحاته

علماء النفس يؤكدون أن التحذيرات غير المحددة قد تسبّب:

توترًا جماعيًا،

خوفًا لدى الأطفال،

ضغطًا على الأسر،

تراجعًا في الاستقرار الاجتماعي.

وقد رُصدت حالات كثيرة بعد زلزال 2023 لأسر تخلت عن منازلها رغم أنها متينة هندسيًا، فقط بسبب الخوف النفسي.

ثامناً: أثر التصريحات على السوق العقاري

1. انخفاض الاهتمام ببعض الأحياء

حسب بيانات شركات تسويق عقاري، فإن أي ذكر سلبي لمنطقة يؤدي إلى انخفاض البحث عنها بنسبة تصل إلى 40% خلال 48 ساعة.

2. تغير خطط مستثمري البناء

بعض الشركات أجّلت استثماراتها بانتظار وضوح الصورة.

3. ارتفاع الطلب على تقارير “فحص الأرض”

بعد تصريحات إركان ارتفع الطلب على تقارير فحص التربة بنسبة كبيرة، وهو أمر إيجابي بحسب المهندسين.

تاسعاً: ماذا يجب أن يفعل المواطنون؟

1. طلب تقرير هندسي معتمد

لا تعتمد على اسم المنطقة، بل على الدراسة الميدانية.

2. ليكن المنزل موثّقًا

شهادة مقاومة الزلازل

رقم خاص بالبناء

نوع الخرسانة ونتائج الفحص

3. فهم نوع التربة

تحديد نوع التربة أهم من تحديد اسم الحي.

4. تجنّب الشراء تحت تأثير الخوف

فالتسرع قد يؤدي لقرار خاطئ من الناحية الاقتصادية.

عاشراً: هل نحن أمام نقاش صحي أم أزمة ثقة؟

من زاوية، تصريحات إركان أعادت فتح ملف السلامة الزلزالية في تركيا، وهو أمر مهم للغاية.
ومن زاوية أخرى، فإن الاتهامات بأن تصريحاته قد تدفع المواطنين لاتخاذ قرارات اقتصادية خاطئة لا يمكن تجاهلها.

تركيا تقع على أهم خطوط الزلازل في العالم، وهذا يعني:

أن التحذير ضروري،

ولكن يجب أن يكون علميًا،

مبنيًا على تقارير،

وليس عبر توصيفات عامة مثل “هذه المنطقة غير آمنة”.

خلاصة شاملة

تصريحات البروفيسور أوفغون أحمد إركان أثارت جدلاً واسعًا لأنها جاءت في وقت يعاني فيه المواطنون من القلق بعد سلسلة الزلازل الكبيرة في تركيا، ومع ارتفاع أسعار المنازل وصعوبات السكن.

وقد انقسم المجتمع التركي بين:

من يرى أن إركان عالم صريح لا يخشى قول الحقيقة،

ومن يرى أن تحذيراته تتسبب في تشويش الأسواق وتؤثر على خطط التحول الحضري.

لكن المؤكد أن الملف الزلزالي في تركيا يحتاج اليوم إلى:

شفافية أكبر،

خرائط خطر محدثة،

تشديدات إنشائية،

تنظيم تصريحات الخبراء،

خطاب علمي لا يسبب الذعر.

وبذلك يبقى السؤال مفتوحًا:
هل تصريحات إركان علم بحت… أم تحمل ما هو أكثر؟
الإجابة ستظل محل نقاش طالما بقيت الزلازل جزءًا من واقع تركيا الجغرافي.

مشاركة على: