تقرير: العادات الشتوية للجالية العربية في تركيا: دفء يجمع المسافات
العادات الشتوية للجالية العربية في تركيا: مزيج ثقافي يحفظ الدفء والهوية
مقدمة
مع حلول الشتاء في تركيا، تعيش الجالية العربية حالة خاصة تجمع بين الحنين لدفء أوطانهم، والرغبة في الحفاظ على العادات التي تجعل الشتاء موسمًا اجتماعيًا وعائليًا بامتياز. ورغم اختلاف الجنسيات العربية، إلا أنّ الطقوس المشتركة تظهر بوضوح بين الأسر المقيمة في إسطنبول وأنقرة، وغازي عنتاب، وبورصة، وإزمير، وغيرها من المدن التي تستضيف أعدادًا كبيرة من العرب.
في هذا التقرير الاجتماعي، ترصد “نيو ترك بوست” أبرز العادات الشتوية التي تحرص الجالية العربية على ممارستها داخل تركيا، وكيف اندمجت مع نمط الحياة التركي دون أن تفقد جذورها.
أولاً: جلسات العائلة في أمسيات باردة — الدفء يبدأ من البيت
مع انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات قد لا تكون مألوفة في بعض الدول العربية، تتحول الجلسات العائلية إلى نشاط محوري في حياة العرب في تركيا.
وتفضّل أغلب العائلات قضاء الأمسيات في المنزل وسط:
شاي ساخن بنكهة القرنفل أو النعناع
الكستناء المشوية
السحلب
الشوربات التقليدية
المسليات العربية مثل اللب السوري والحمص المحمص
وتبرز هذه الجلسات كبديل عن الخروج في الطقس البارد، وتُعد فرصة لتجديد الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة.
ثانياً: طقوس الأكل الشتوية — أطباق عربية وتركية على مائدة واحدة
يحرص العرب في تركيا على دمج مأكولاتهم التقليدية مع المطبخ التركي الذي يمتلك عشرات الأطباق الشتوية الغنية.
الأطباق العربية الأكثر حضوراً:
العدس الأصفر
الفول
الكشري المصري
الشوربة الحرّة السورية
المرق العراقي
الكبسة الخليجية
الفتّة بأنواعها
أما الأطباق التركية التي أصبحت جزءاً من شتاء الجالية:
شوربة إيشكَمبه (الكوارع)
العدس الأحمر
“كشبير” البرغل الساخن
الكستناء المشوية في الشوارع
البوظة الساخنة (Salep)
وتبرز مائدة الشتاء كنموذج للتبادل الثقافي بين الجانبين، حيث تتبنى العائلات العربية بعض العادات الغذائية التركية وتدمجها مع مأكولات الوطن.
ثالثاً: جلسات السحلب والبردقوش والقهوة العربية في المقاهي
شهدت السنوات الأخيرة انتشار مقاهي عربية وتركية أصبحت ملاذاً شتوياً للجالية.
وفي الشتاء تحديداً تزداد زيارة هذه المقاهي لتقديم:
قهوة عربية
سحلب بالقرفة والمكسرات
مشروبات عشبية عربية مثل البردقوش والميرمية
أرجيلة النعناع أو التفاح
حلويات شتوية مثل المهلبية والبقلاوة الساخنة
وتشكّل هذه المقاهي مساحة اجتماعية للتجمع، تبادل القصص، متابعة مباريات كرة القدم، أو استعادة شعور “اللمة” الذي يفتقده كثيرون بسبب البعد عن الوطن.
رابعاً: التسوق الشتوي — الملابس العربية والتركية جنباً إلى جنب
تعتبر الأسواق الشعبية التركية في الشتاء نقطة جذب كبيرة للجالية، خاصة الأسواق التي تضم بضائع بأسعار مناسبة مثل:
سوق الفاتح
سوق تقسان
أوزون شارجى في إسطنبول
الأسواق الشعبية في أنقرة وبورصة
ويحرص العرب على شراء الملابس الشتوية الثقيلة التي قد لا تتوفر بجودة مماثلة في بلدانهم، مثل:
الجواكيت التركية الصوف
الأحذية المقاومة للمطر
شالات الصوف
قبعات البرد
كما تلجأ العديد من الأسر العربية لشراء “مدافئ كهربائية” ومدافئ الزيت التي تعتبر من أساسيات الشتاء في كثير من البيوت.
خامساً: الطقوس الدينية والروحانية — دفء روحي وسط برد الشتاء
يُعتبر الشتاء موسمًا للتقرب الروحي لدى الكثير من أفراد الجالية العربية، حيث تظهر طقوس مميزة خلال هذه الفترة:
حضور دروس دينية في المساجد
التجمع لقراءة القرآن مساءً
صلوات الفجر في الأجواء الباردة
لقاءات أسبوعية للأصدقاء بهدف التشجيع الروحي
ويرى كثيرون أن الشتاء يمنحهم فرصة لإعادة ترتيب الحياة الروحية بعيداً عن انشغالات الصيف.
سادساً: خروجيات بسيطة رغم البرد — اندماج مع حياة الشوارع التركية
ورغم الطقس البارد، لا يتخلى العرب عن بعض الأنشطة الشتوية في الخارج، ومنها:
التصوير على مضيق البوسفور في الأيام المشمسة
زيارة ساحات السلطان أحمد في الشتاء
المشي في شاطئ كاديكوي
تناول الشوربة الساخنة مع الخبز التركي عند عربات الشارع
زيارة مراكز التسوق المغلقة Mall of Istanbul أو Forum Istanbul
وتُعد هذه الأنشطة جزءًا من اندماج الجالية في الإيقاع الشتوي لتركيا.
سابعاً: نشاطات الأطفال — الترفيه الداخلي في المقام الأول
في ظل الأمطار والثلوج، تفضّل الأسر العربية إخراج الأطفال إلى:
مراكز الألعاب المغلقة
حدائق الترامبولين
دور السينما
دورات الشتاء (سباحة، روبوت، كرة سلة)
كما يحرص الكثيرون على صنع ذكريات خلال أول موجة ثلج عبر اللعب وصنع رجل الثلج — وهو نشاط محبوب لدى الأطفال العرب المقيمين في المدن التركية الشمالية.
ثامناً: الحنين للوطن — مكالمات، صور، وأكلات تعيد الدفء
يُعد الحنين للوطن سمة بارزة في الشتاء، وتظهر من خلال:
مكالمات طويلة مع العائلة في الدول العربية
إعداد وصفات تراثية مثل الكبة والمجبوس والفتوش والصفيحة
الاستماع للأغاني القديمة
مشاهدة مسلسلات عربية شتوية
تقاليد الجمعة العائلية ولو عبر الاتصال
هذه الطقوس تمنح الكثير من العرب شعوراً بالاستمرارية والارتباط بالهوية رغم البعد.
خاتمة
تمثل العادات الشتوية للجالية العربية في تركيا نمطاً اجتماعياً يجمع بين الأصالة والاندماج، حيث يحتفظ العرب بعاداتهم الموروثة مع تبني بعض تفاصيل الحياة التركية.
ويخلق هذا التداخل الثقافي حالة فريدة تُثري المجتمع المحلي، وتعزز من شعور العرب بالانتماء والدفء رغم برودة الشتاء.