إقبال عربي متزايد على المدن الهادئة في تركيا

إقبال عربي متزايد على المدن الهادئة في تركيا
إقبال عربي متزايد على المدن الهادئة في تركيا

تقرير: إقبال عربي متزايد على المدن الهادئة في تركيا

تشهد تركيا خلال عام 2025 تحولاً لافتًا في خريطة السياحة العربية، حيث بدأ جزء متزايد من الزوار العرب يتجه نحو المدن والمناطق الهادئة بعيدًا عن الزحام في إسطنبول وأنطاليا وإزمير. ورغم أن المدن الكبرى لا تزال تستحوذ على الحصة الأكبر من إجمالي السياحة الأجنبية، فإن البيانات والدراسات تشير إلى صعود تدريجي لنمط جديد من السياحة يعتمد على الطبيعة والهدوء وتكاليف أقل من المدن الساحلية الشهيرة.

هذا التحول يأتي في ظل عدة عوامل متراكبة؛ أبرزها ارتفاع تكاليف الإقامة في المدن السياحية المعروفة، حيث أدت زيادة الأسعار والتضخم إلى دفع بعض السياح نحو خيارات أكثر اقتصادية مثل الشقق المفروشة، البيوت الريفية الصغيرة، أو النُزل العائلية في مناطق أقل ازدحامًا. تقرير سابق لـ"الجزيرة" أوضح أن جزءًا من السياح الأجانب، ومن ضمنهم العرب، بدأوا يعتمدون نمط "السياحة الهادئة" بسبب تغيرات الأسعار واتجاهات السوق عام 2025.

في الوقت نفسه، تعمل وزارة الثقافة والسياحة التركية على إعادة توزيع الحركة السياحية خارج المدن الساحلية التقليدية. ففي تصريحات رسمية خلال سبتمبر 2025، أكدت الوزارة أنها تطبق "خارطة طريق" تستهدف تعزيز السياحة في ولايات ومناطق أقل شهرة، من أجل نشر التنمية السياحية وتحقيق توازن اقتصادي بين الولايات. وتشمل هذه الخطط دعم السياحة البيئية، والسياحة الريفية، والسياحة الثقافية والتاريخية، بهدف جذب شرائح مختلفة من الزوار.

وبالرغم من هذا التوجه، ما زالت الأرقام الرسمية تشير إلى أن غالبية الزوار الأجانب — بنسبة تقارب 95% — يتجهون إلى ست مدن رئيسية: أنطاليا، إسطنبول، موغلا، إزمير، أيدين، والعاصمة السياحية ألانيا. إلا أن ذلك لا ينفي وجود زيادة تدريجية في اهتمام السياح العرب بمناطق مثل البحر الأسود، وولايات مثل أوردو، ريزة، طرابزون، بالإضافة إلى مناطق هادئة في وسط وغرب الأناضول، وحتى مناطق في شرق تركيا بدأت تتحول تدريجيًا إلى وجهات سياحية طبيعية بعد سنوات من الاستثمار في البنية التحتية والأمن.

وتشير تقارير إعلامية موثوقة إلى أن بعض العرب يبحثون عن تجارب سياحية "أقرب للطبيعة" خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد تزاحم المدن الكبرى وارتفاع أسعار الفنادق. المدن الهادئة توفر هواءً نقيًا، مناظر طبيعية ممتدة، وأنشطة مثل الهايكنغ وزيارة الشلالات والبحيرات والمرتفعات، وهي عناصر تلقى شعبية متنامية في الأسواق الخليجية والعربية عمومًا.

مع ذلك، هناك تحديات تمنع الإقبال من أن يكون واسعًا أو عامًا، خصوصًا ما يتعلق بالبنية التحتية السياحية في بعض المناطق الريفية أو الأقل شهرة. فالمرافق الفندقية والخدمات السياحية في هذه المناطق ليست بنفس مستوى المدن الكبرى، ما يجعل التجربة تعتمد على "السائح المغامر" أو الباحث عن تجربة مختلفة. كما أن الصورة الذهنية لبعض المناطق الشرقية التي شهدت توترات سابقة لا تزال تؤثر على قرار بعض الزوار، رغم التحسن الكبير في الأمن والاستقرار الذي وثقته تقارير إعلامية في 2025.

ورغم هذا، فإن استمرار الحكومة التركية في دعم السياحة البديلة، إلى جانب رغبة بعض العرب في الابتعاد عن نمط "السياحة المزدحمة"، يشير إلى إمكانية توسع هذا الاتجاه خلال السنوات المقبلة. المدن الهادئة، سواء كانت في البحر الأسود أو وسط الأناضول أو حتى في الجنوب الشرقي بعد التطوير، أصبحت اليوم ضمن قائمة الخيارات المطروحة بقوة أمام العائلات العربية التي تبحث عن الهدوء، الأسعار المناسبة، والخبرة السياحية الأصيلة.

في الختام، يبدو أن تركيا مقبلة على مرحلة جديدة في علاقتها بالسياحة العربية. فبينما تظل المدن الكبرى محجًا رئيسيًا لغالبية الزوار، بدأت تجربة السياحة الهادئة تجذب شريحة متنامية تبحث عن خصوصية أكبر، تكلفة أقل، وبيئة طبيعية بعيدة عن الضوضاء. ومع استمرار الحكومة في تطوير البنية السياحية لهذه المناطق، من المتوقع أن يزداد الإقبال العربي على هذه الوجهات خلال السنوات المقبلة، مما قد يغير تدريجيًا من خريطة الحركة السياحية في البلاد.

مشاركة على: