جفاف مسطح مائي في بورصة يثير القلق البيئي والزراعي
بورصة – خاص: شهدت محافظة بورصة في شمال غرب تركيا تدهورًا بيئيًا مقلقًا في أحد أهم مصادر المياه فيها، والمعروف باسم Gölbaşı Göleti، الذي كان يعد لسنوات طويلة مسطحًا مائيًا ذا أهمية بالغة في دعم الزراعة المحلية والموارد البيئية. في وقتٍ يشهد فيه البلد موجات جفاف متكررة وتراجعًا في معدلات هطول الأمطار، أصبح هذا المسطح المائي قريبًا من فقدان خصائصه كمصدر للمياه، ما أثار تساؤلات واسعة لدى المزارعين والخبراء البيئيين حول مستقبل الزراعة والاستدامة البيئية في المنطقة.
أهمية Gölbaşı Göleti تاريخيًا
تم إنشاء Gölbaşı Göleti بناءً على تعليمات القائد المؤسس مصطفى كمال أتاتورك في ثلاثينيات القرن الماضي، بهدف دعم النشاط الزراعي في سهول بورصة الخصبة. منذ أن دخل الخدمة في العام 1938، لعب هذا المسطح المائي دورًا محوريًا في توفير مياه الري لأراضٍ واسعة منتجة للفاكهة والخضروات، بما في ذلك الخَوخ، الكمثرى، التين الأسود، والكرز، وهي محاصيل تشتهر بها المنطقة. ومع مرور السنوات، أصبح الموقع بمثابة منبع حياة لآلاف المزارعين في أقاليم كستل وGürsu وأجزاء من Yıldırım وOsmangazi.
لكن في أواخر ديسمبر 2025، لاحظ المزارعون والسكان المحليون أن مستوى المياه في Gölbaşı Göleti آخذ في الانخفاض بشكل ملفت، لدرجة أن أجزاءً كبيرة من القاع كانت على وشك الظهور فوق السطح، مما شكل علامة واضحة على أن المسطح المائي يفقد قدرته على البقاء كمصدر للمياه في المستقبل القريب.
أسباب التراجع في مستوى المياه
يربط الخبراء تراجع مستوى المياه في Gölbaşı Göleti بعدة عوامل متداخلة، يأتي في مقدمتها الجفاف الممتد الذي يؤثر على تركيا وامتداد موجات الحر ونقص الأمطار في السنوات الأخيرة. تؤدي هذه الظروف المناخية إلى زيادة تبخر المياه وتراجع منسوبها بشكل مستمر، وهو ما يتماشى مع تقارير عن جفاف عدة بحيرات وسدود في أنحاء تركيا. وقد سبق أن لوحظ انخفاض في مستويات بحيرات مثل Sapanca Lake وظهور هياكل أثرية كانت مدفونة بالمياه، ما يعكس أبعاد المشكلة على نطاق أوسع.
إلى جانب ذلك، يساهم الاستخدام المفرط للمياه في الزراعة، خاصة في المواسم الجافة، في استنزاف مستويات المياه بسرعة أكبر مما يمكن للمسطحات المائية أن تتعافى. فبينما يحتاج نظام الري الزراعي إلى كميات متزايدة من المياه لضمان إنتاجية جيدة، فإن الموارد المائية لم تعد قادرة على تلبية هذا الطلب في ظل انخفاض منسوب المياه.
أثر الجفاف على الزراعة والاقتصاد المحلي
تُعد بورصة من أهم المناطق الزراعية في تركيا، وتشكل محاصيلها جزءًا رئيسيًا من الأسواق المحلية والتصديرية. تعتمد مزارع الفاكهة والخضروات بشكل كبير على مياه Gölbaşı Göleti للري، وقد أدت المستويات المنخفضة للمياه إلى زيادة المخاوف بشأن تأثير ذلك على الإنتاج الزراعي في المواسم القادمة.
وفي تصريحات لبعض المزارعين المحليين التي نقلتها وكالات الأنباء، عبروا عن خوفهم من أن يؤدي اختفاء المياه تدريجيًا إلى تراجع الإنتاج وانخفاض جودة المحاصيل، وهو ما يؤثر على دخل المزارعين ورفاهية المجتمع الزراعي بأكمله. كما أشار البعض إلى احتمال لجوءهم إلى تقليل المساحات المزروعة أو تغيير نوعية المحاصيل التي يزرعونها حرصًا على تقليل استهلاك المياه.
أحد المزارعين في المنطقة قال إن الوضع في الشتاء، الذي يفترض أن يعيد بعض المياه إلى المسطحات الطبيعية من هطول الأمطار، بدا “غير مؤثر في الواقع”، لأن كمية المياه كانت ضئيلة جدًا بالنسبة لعمليات الري وحاجة التربة إلى الماء. وأضاف المزارع الذي فضل عدم ذكر اسمه أن “المياه لم تعد كافية حتى لتغطية الاحتياجات الأساسية في بعض المناطق الصغيرة، فما بالك بالمزارع الكبيرة.”
المزارعون يواجهون واقعًا جديدًا
لم تؤثر أزمة المياه فقط على الزراعة، بل امتدت تأثيراتها إلى الاقتصاد المحلي والوظائف في المنطقة. تعتمد العديد من الأسر في بورصة على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، وقد أدى انخفاض مستوى المياه إلى تقليل فرص العمل الموسمية التي كانت مرتبطة بالرعي والري وجني المحاصيل. وقد بدأت بالفعل بعض العائلات في التفكير في التحول إلى نشاطات اقتصادية أخرى لتفادي الخسائر المتوقعة.
كما أن انخفاض مستوى المياه أدى إلى تراجع جودة التربة في بعض المناطق، ما يستدعي جهودًا مكثفة لإصلاحها إذا ما عاد مستوى المياه إلى معدلات أعلى في المستقبل. ويعتبر هذا تحديًا كبيرًا بالنسبة للمزارعين الذين يعتمدون على النظام البيئي الطبيعي للحصول على محصول جيد.
الصحة البيئية والتنوع الحيوي
لا يقتصر تأثير الجفاف في Gölbaşı Göleti على الجانب الاقتصادي فقط — بل يمتد أيضًا إلى النظام البيئي المحلي. تعتمد العديد من الكائنات الحية، بما في ذلك الطيور والأسماك والحياة النباتية، على توفر المياه في المسطح المائي. وقد لوحظ خلال الأسابيع الماضية تراجع أعداد الطيور المهاجرة والأنواع المائية في المنطقة، وهو ما يعد مؤشرًا على ضغوط بيئية شديدة تواجه النظام البيئي المحلي.
خبراء البيئة يحذرون من أن استمرار الجفاف يمكن أن يؤدي إلى فقدان موائل طبيعية للكثير من الكائنات الحية، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع التنوع الحيوي في المنطقة خلال السنوات المقبلة، ما لم تتخذ خطوات عاجلة للتعامل مع المشكلة بشكل شامل.
تجارب من مناطق أخرى في تركيا
تتجاوز أزمة المياه القضايا المتعلقة بـ Gölbaşı Göleti إلى نطاق أوسع يشمل عدة مناطق في تركيا، حيث سجلت تقارير سابقة انخفاضًا حادًا في مستويات المياه في بحيرات وسدود أخرى. فبحيرة Sapanca في منطقة مرمرة سجلت انخفاضًا في مستوى المياه بشكل كبير مما كشف عن بقايا أثرية كانت مدفونة سابقًا، ما يعكس تأثير الجفاف الممتد وشح الأمطار.
وفي مناطق أخرى مثل بحيرة Tuz في وسط الأناضول، تشير التقارير إلى تقلص المساحة المائية بشكل يثير القلق على المواطنات الطبيعية التي تعتمد عليها الطيور والنباتات، ما يعكس استمرار ضغط الجفاف على الموارد المائية في البلاد بالكامل.
كما تؤكد مصادر بيئية أن عشرات البحيرات في تركيا تعرضت للجفاف خلال العقود الماضية، ويواجه الكثير منها خطر الجفاف الكامل إذا لم تُتخذ تدابير فعالة لإدارة الموارد المائية ومواجهة تغير المناخ.
ردود فعل الخبراء والمزارعين
خبراء الزراعة والبيئة يؤكدون أن الجفاف الممتد وانخفاض معدلات الأمطار هو العامل الرئيسي وراء التراجع في مستوى المسطحات المائية، ويضيفون أن الطلب المتزايد على المياه في الزراعة دون إدارة مستدامة يزيد من تفاقم المشكلة. وفقًا لتحليل أُجري في سياق المشكلات المتعلقة بعدد من البحيرات التركية، فإن الظروف المناخية القاسية والتغيرات البيئية تدفع الكثير من هذه المسطحات إلى “حافة الانقراض”.
وأبدى بعض الخبراء قلقهم من أن استمرار هذه الاتجاهات قد يؤدي في النهاية إلى فقدان مصادر رئيسية للمياه في مناطق متعددة من البلاد، مما يضع تحديات كبيرة أمام جهود التنمية الزراعية والاستخدام الأمثل للموارد المائية.
الإجراءات المقترحة والحلول الممكنة
أمام هذا الوضع البيئي الراهن، يدعو المزارعون والباحثون البيئيون إلى اعتماد سياسات إدارة مائية أكثر استدامة تشمل:
استخدام تقنيات ري حديثة تقلل من هدر المياه.
تشجيع الزراعة الذكية والممارسات التي تحتاج إلى مياه أقل.
تحديث شبكات المياه لتقليل الفاقد.
وضع خطط طوارئ لتوزيع المياه خلال موسم الجفاف.
ويرى البعض أن الاستثمار في بحوث المناخ والمياه يساعد في توقع حالات الجفاف وتجنب تأثيراتها المباشرة على الزراعة والبيئة. كما يقولون إن التعاون بين المزارعين والحكومة ضروري لضمان توزيع عادل ومستدام للمياه.
خاتمة
يُعد الوضع في **Gölbaşı Göleti ببورصة مثالًا حيًا على آثار الجفاف الطويل الأمد وتغير المناخ على موارد المياه الطبيعية في تركيا، حيث يبرز التحدي الكبير الذي يواجه هذا المسطح المائي الحيوي، ليس فقط للمزارعين، بل للنظام البيئي بأكمله. وتكشف هذه الحالة عن حاجة ملحة لإجراءات حكومية ومجتمعية فعالة لضمان استدامة الموارد المائية وحماية البيئة من التأثيرات السلبية للجفاف المتواصل.