كيف أعادت البلديات صياغة دورها الاجتماعي؟
لم تعد البلديات مجرّد جهات خدمية تُعنى بالنظافة والطرق، بل تحوّل دورها خلال السنوات الأخيرة إلى فاعل اجتماعي مباشر يتدخل في تفاصيل الحياة اليومية، خاصة في أوقات الضغط الاقتصادي والتحولات الديموغرافية. هذا التحوّل لم يكن شكليًا، بل أعاد تعريف العلاقة بين المواطن والسلطة المحلية.
ما يلفت الانتباه في التجربة البلدية الحديثة هو انتقالها من منطق “الخدمة العامة” إلى منطق الاستجابة الاجتماعية. فبدل الاكتفاء بتقديم خدمات موحّدة، باتت البلديات تصمّم تدخلات موجّهة لفئات محددة: أسر منخفضة الدخل، كبار السن، ذوو الإعاقة، والطلاب. هذا التخصيص هو ما منح هذه السياسات أثرًا ملموسًا.
في المجال الاجتماعي، توسّعت برامج الدعم المباشر لتشمل مساعدات غذائية، ودعمًا للملابس والتدفئة، وخدمات رعاية منزلية، ما خفّف العبء عن شرائح واسعة دون تحويل الدعم إلى عبء بيروقراطي معقّد. الأهم أن هذه البرامج صُمّمت لتكون قابلة للوصول، لا مشروطة بإجراءات طويلة تُقصي من يحتاجها.
التعليم بدوره كان ساحة تدخل واضحة. دعمت البلديات طلاب المدارس والجامعات عبر توفير وسائل نقل، ومساحات دراسة، ومراكز نشاط، ما جعل التعليم جزءًا من السياسة المحلية لا شأنًا مركزيًا بعيدًا. هذا الدمج بين المحلي والتعليمي أعاد الاعتبار لدور المدينة في صناعة الفرص.
على المستوى الصحي والاجتماعي، برزت مبادرات تستهدف الوقاية قبل العلاج: حملات توعية، دعم نفسي مجتمعي، وخدمات إرشاد، خاصة في الأحياء ذات الكثافة العالية. هنا يظهر فهم جديد لدور البلدية بوصفها حارسًا اجتماعيًا لا مقدّم خدمة فقط.
القراءة الأعمق لهذه الإنجازات تكشف أن قيمتها الحقيقية لا تكمن في حجم الميزانيات، بل في طريقة توجيهها. فالبلدية التي تفهم احتياجات حيّها تستطيع بأدوات محدودة أن تُحدث أثرًا يفوق مشاريع ضخمة بلا بوصلة اجتماعية.
الخلاصة أن البلديات، عندما تنجح، تفعل ذلك لأنها اقتربت من الناس لا لأنها كبُرت. والإنجاز الاجتماعي الحقيقي هو ذاك الذي لا يحتاج المواطن إلى شرح كي يشعر به؛ يكفي أن يلمسه في تفاصيل يومه.