جامع العرب أول جامع فى إسطنبول
جامع العرب في إسطنبول.. أقدم مسجد للمسلمين في المدينة وأيقونة العمارة الأندلسية
يُعد جامع العرب (Arap Camii) في إسطنبول أحد أقدم المساجد في المدينة، ومن أبرز المعالم التي تجمع بين التاريخ الإسلامي والعمارة القوطية الأوروبية. يقع المسجد في حي غلطة بمنطقة باي أوغلو على الضفة الشمالية من القرن الذهبي، ويُعتبر شاهداً على تتابع الحضارات منذ العهد الأموي حتى العصر العثماني.

من معسكر إلى مسجد
تعود أصول الجامع إلى عام 717م عندما قاد القائد الأموي مسلمة بن عبد الملك حملة لحصار القسطنطينية، فبنى المسلمون حينها مسجداً في موقع الحي الحالي ليقيموا فيه الصلوات. وبعد انسحابهم من المنطقة، تُرك المكان حتى العهد البيزنطي المتأخر، حيث أُقيمت في الموقع كنيسة دومينيكانية عُرفت باسم كنيسة القديس بولس في القرن الرابع عشر.

تحوله إلى مسجد بعد الفتح العثماني
بعد فتح السلطان محمد الفاتح للقسطنطينية عام 1453، سُمح للجالية العربية المسلمة القادمة من الأندلس بالاستقرار في المنطقة، فحُوّلت الكنيسة إلى مسجد في عهد السلطان بايزيد الثاني نحو عام 1492م، تكريماً لهؤلاء المهاجرين الذين جاؤوا بعد سقوط الأندلس، ومن هنا جاء اسمه جامع العرب.

عمارة فريدة تجمع الشرق بالغرب
يتميز الجامع بتصميم معماري فريد، إذ يحتفظ بكثير من سمات الكنيسة القوطية التي كانت قائمة في موقعه، مثل النوافذ المقوسة والسقف الخشبي المسطح والبرج المربع الذي حُوِّل إلى مئذنة.
هذا الطراز المختلف جعله المسجد الوحيد في إسطنبول الذي يحمل طابعاً أندلسياً – قوطياً في آنٍ واحد.
كما يتميز الداخل بجدرانه الحجرية السميكة وزخارفه البسيطة ذات الطابع العثماني، مما يمنحه مزيجاً معمارياً نادراً يجمع بين تأثيرات بيزنطية وأوروبية وإسلامية.

رمز للهوية العربية في إسطنبول
كان الجامع على مدى قرون مركزاً للجالية العربية في إسطنبول، ومكاناً لتعليم اللغة العربية والعلوم الدينية. وظل اسمه رمزاً لوجود العرب في المدينة منذ القرن الخامس عشر وحتى اليوم.

ترميمات وتاريخ متجدد
شهد الجامع عدة ترميمات، أبرزها في عهد السلطان محمد الثالث عام 1598، ثم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بعد تعرضه لأضرار من الزلازل والحرائق.
ورغم التغيرات التي طرأت عليه، ما زال يحتفظ بروحه التاريخية القديمة ويُعد من أهم المساجد العثمانية ذات الجذور الإسلامية المبكرة.

موقع يجمع السياحة والروحانية
اليوم، يُعد جامع العرب وجهة سياحية وثقافية بارزة في إسطنبول، يقصده الزوار من مختلف الدول لاكتشاف أحد أقدم المساجد في المدينة وللتأمل في تداخل الحضارات بين جدرانه.
وبين مئذنته المربعة وصوته الذي يصدح بالأذان منذ قرون، يظل الجامع شاهدًا على تاريخٍ طويل من التعايش بين الأديان والثقافات في قلب المدينة العريقة.
