
المُسَلَّاج يظهر مبكرًا في مرمرة ويهدد موسم الصيد
بعد أيام قليلة من فتح موسم الصيد في تركيا في الأول من سبتمبر، فوجئ الصيادون في بحر مرمرة بظهور المخاط البحري المعروف محليًا باسم "المُسَلَّاج" بكميات واضحة، في مشهد صادم لأنه يحدث لأول مرة في هذا التوقيت المبكر من السنة. الصيادون الذين خرجوا إلى البحر متحمسين لبداية الموسم اصطدموا بشباك ملوثة بالكتل اللزجة البيضاء، الأمر الذي أثار قلقهم من أن تتكرر مأساة عام 2021 حين غطى المسلاج مساحات واسعة من بحر مرمرة، وتسبب في خسائر اقتصادية هائلة وضرر بيئي كبير.
المُسَلَّاج، أو ما يُعرف علميًا بـ"المخاط البحري"، هو إفراز طبيعي من الكائنات البحرية المجهرية، يزداد عندما ترتفع حرارة المياه أو تتلوث بكميات كبيرة من المواد العضوية. ورغم أن ظهوره كان يُلاحظ عادة في فصل الشتاء أو أوائل الربيع، إلا أن هذه المرة شكّل سابقة تاريخية بظهوره في سبتمبر، أي في ذروة موسم الصيد.
المناطق الأكثر تأثرًا بظهور المسلاج كانت جنوب بحر مرمرة، خاصة سواحل تكيرداغ (Şarköy) وكذلك مدخل مضيق البوسفور الممتد حتى جناق قلعة. الصيادون أكدوا أن الشبكات خرجت محملة بالكتل البيضاء، وهو ما يقلل من كمية الأسماك المصطادة ويهدد جودة الصيد.

نجي كارببر، رئيس اتحاد منتجي وصيادي المأكولات البحرية في تركيا (DEM-BİR) ، صرّح للصحافة أن ظهور المسلاج بهذا الشكل وفي هذا التوقيت يعد مؤشرًا خطيرًا. وأكد أن استمرار الوضع قد ينعكس سلبًا على الثروة السمكية، مشيرًا إلى أن السمك يبتعد عن المناطق الملوثة بالمخاط البحري، ما يؤدي إلى ضعف المخزون وإلى خسائر اقتصادية مباشرة للصيادين.
وأشار كارببر إلى أن السبب الرئيس وراء هذه الظاهرة هو التلوث البحري المستمر، الناتج عن الصرف الصناعي والمنزلي غير المعالج الذي يُلقى في بحر مرمرة منذ عقود. ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف بسبب التغير المناخي، يجد المخاط البحري البيئة المثالية للتكاثر والانتشار.
خبراء البيئة في تركيا بدورهم حذروا من أن عودة المسلاج بهذا الشكل السريع تؤكد أن الإجراءات المتخذة بعد أزمة 2021 لم تكن كافية. فبعد تلك الأزمة، أعلنت الحكومة التركية خطة طوارئ بحرية تضمنت حملات تنظيف واسعة ومشاريع لتحسين أنظمة الصرف ومعالجة النفايات، لكن الواقع الحالي يُظهر أن المشكلة عادت بقوة.
الأثر الاقتصادي لهذه الظاهرة يثير القلق أكثر من أي وقت مضى. قطاع الصيد في تركيا يُعتبر مصدر رزق لعشرات الآلاف من العائلات، وظهور المسلاج في بداية الموسم يعني احتمالية انهيار عائدات الصيادين خلال الأشهر المقبلة. إضافة إلى ذلك، فإن أسعار الأسماك قد ترتفع بشكل مباشر في الأسواق إذا استمر نقص المعروض، ما سيؤثر على المستهلكين أيضًا.
كما أن قطاع السياحة قد يتضرر، خصوصًا في المدن الساحلية مثل إسطنبول وتكيرداغ وبورصة وجناق قلعة، حيث يمثل البحر عنصر جذب أساسي للزوار. فالمشاهد المرتبطة بالمسلاج عادة ما تؤدي إلى عزوف السائحين عن السباحة أو القيام بالرحلات البحرية، وهو ما حدث بالفعل في عام 2021.
الصيادون الذين تحدّثوا لوسائل الإعلام التركية عبروا عن إحباطهم من هذه البداية السيئة للموسم. بعضهم أكد أنه اضطر للعودة إلى الميناء بعد ساعات قليلة من الإبحار بسبب تراكم المخاط البحري في الشباك، وهو ما يجعل عملية الصيد مستحيلة. آخرون طالبوا السلطات بالتدخل السريع وإيجاد حلول عملية قبل أن تتحول الظاهرة إلى كارثة جديدة.
المواطنون الأتراك بدورهم تابعوا الصور المنتشرة للمسلاج عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بقلق، وبدأت أصوات تطالب بفرض رقابة أشد على المصانع التي تفرغ نفاياتها في البحر، وتطبيق قوانين البيئة بشكل صارم. بعض الجمعيات البيئية أعلنت أنها ستنظم حملات توعية ودعوات للتطوع في تنظيف السواحل خلال الأسابيع المقبلة.
المخاط البحري ليس ظاهرة جديدة على بحر مرمرة، لكن خطورته تكمن في أنه أصبح أكثر تكرارًا وظهوره أصبح غير مرتبط بالمواسم التقليدية. هذا ما يراه الباحثون مؤشرًا على خلل عميق في النظام البيئي للبحر. فمرمرة يُعتبر بحرًا شبه مغلق، ما يجعله أكثر عرضة لتراكم الملوثات وصعوبة تجديد مياهه بشكل طبيعي، بعكس البحار المفتوحة.
التأثير السياسي أيضًا لا يغيب عن المشهد، حيث إن المعارضة التركية بدأت توجه انتقادات للحكومة، معتبرة أن التقاعس في معالجة الصرف الصناعي هو السبب الرئيس في تفاقم الظاهرة. كما طالبت بزيادة الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية البيئية وإيجاد بدائل للطاقة الملوثة التي تسهم في ارتفاع درجة حرارة المياه.
من الناحية العلمية، الحلول تتطلب جهودًا طويلة الأمد، تبدأ من تقليل التلوث الصناعي والزراعي، وتحسين أنظمة المعالجة، وزيادة الرقابة على السفن والموانئ، مرورًا ببرامج تثقيفية للمجتمع حول أهمية الحفاظ على البيئة البحرية. لكن حتى الآن، يبدو أن الطريق طويل لتحقيق هذه الأهداف.
الخبراء يؤكدون أن تجاهل المشكلة لن يؤدي إلا إلى تفاقمها، وأن استمرار ظهور المسلاج قد يجعل من بحر مرمرة منطقة ميتة بيئيًا خلال عقود قليلة إذا لم يتم التدخل بشكل حاسم. وفي هذا السياق، يشيرون إلى أن ما يحدث في مرمرة قد يكون إنذارًا لمناطق بحرية أخرى مثل بحر إيجة والبحر الأسود، إذا لم تتم السيطرة على التلوث بشكل شامل.
في الوقت الحالي، يبقى السؤال الأكبر هو: هل تنجح الحكومة التركية في تفادي تكرار سيناريو 2021، أم أن موسم الصيد لهذا العام سيكون ضحية جديدة للمسلاج؟ الصيادون يترقبون القرارات الرسمية، والجمهور يتابع بقلق التطورات، بينما يظل البحر شاهدًا على توازن هش بين النشاط البشري والطبيعة.