
إسطنبول: مدارس Fen تتراجع أمام تزايد الإمام خطيب والمهني
في مدينة إسطنبول، تتوزع المدارس الثانوية بشكل لافت للانتباه، حيث أفادت بيانات وزارة التربية أن من بين كل عشرة مدارس ثانوية في المدينة، أربعة منها إمام خطيب أو مدارس مهنية، بالمقابل عدد مدارس العلوم (Fen Lisesi) قليل جدًا ويبلغ فقط 31 مدرسة. هذا الواقع يُظهر تحوّلاً كبيرًا في التركيبة التعليمية للمدارس الثانوية، بل إن خيار المدرسة الكلاسيكية الأكاديمية مثل العلوم أصبح نادراً، مما يطرح تساؤلات حول حرية اختيار الطلاب وميول أولياء الأمور، والتفاوت في الفرص التعليمية بين الأحياء والمحافظات. حسب إحصائيات إدارة التربية في إسطنبول، من أصل 1237 مدرسة ثانوية، هناك 227 مدرسة إمام خطيب، و266 مدرسة مهنية، لتكون معًا حوالي 40٪ من المدارس، بينما مدارس Fen أو مدارس العلوم التي تُركّز على التحصيل الأكاديمي المتخصص تشكّل نسبة ضئيلة بالمقارنة.
يُذكر أن وزير التربية يوسف تقين (Yusuf Tekin) قد صرّح بأن فتح مدارس إمام خطيب أو المدارس المهنية ليس أمرًا مفروضًا، بل خيار على أساس الطلب، لكنها عمليًا صارت في كثير من الأحياء الخيار الفعلي الوحيد بسبب نقص مدارس Fen أو مدارس العلوم. هذا الخلل يُشعر بعض الطلاب وأولياء الأمور بأنهم يُجبرون على اختيار إمام خطيب أو المدرسة المهنية إن لم يكنوا من أحياء تضم مدارس Fen.
ويُشير الخبر إلى أن العلاقة بين مكان سكن الطالب (العنوان) ونطاق تسجيل المدرسة تلعب دورًا مهمًا في العملية التعليمية؛ فعند نظام الانتقال للثانوية (Liselere Geçiş Sistemi - LGS)، إذا لم يكن الطالب من حي يحتوي مدرسة Fen أو مدرسة أكاديمية، فإن الخيارات المتاحة غالبًا ما تكون الإمام خطيب أو المهنيّة. وهذا ما يعني أن التوزيع الجغرافي والتخطيط العمراني يُساهمان في جعل الخيار الأكاديمي شبه محصور في بعض الأحياء ذات البُنى التعليمية الأقوى.

الأثر العائلي والمجتمعي كبير؛ فالأسر التي ترغب في تعليم أكاديمي بحت تجد نفسها أمام خيارات محدودة، وقد تضطر لإرسال أولادها لمسافات بعيدة أو تغيير مقر السكن للحصول على مدرسة Fen، مما يزيد التكلفة والجهد. بعض أولياء الأمور أعربوا عن استيائهم من أن أطفالهم قد لا يحصلون على فرص متكافئة للتعليم الأكاديمي، وهذا يولّد شعورًا بعدم العدالة التعليمية حسب ما نقلته مصادر محلية من إسطنبول.
من الجانب التعليمي، يقول خبراء التربية أن هذا الاختلال في أنواع المدارس قد يؤدي إلى انخفاض في تحفيز الطلاب على الدراسة الأكاديمية، حيث تميل مدارس الإمام خطيب أو المهنية إلى التركيز أكثر على الجانبين المهني أو الديني وأقل على التربية العلمية الأكاديمية المكثفة مثل التي توفرها مدارس Fen. وقد يؤثر ذلك على الأداء الأكاديمي العام ونتائج الامتحانات، وخاصة لأولئك الطلاب الذين يطمحون للالتحاق بالجامعات المرموقة أو التخصصات العلمية.
كما أن هذا التوجه يحمل أبعادًا سياسية، فوزير التربية يؤكد أنه ليس فرضًا، لكنه في الممارسة يُراه أهل الحي يُلزمون اتخاذه بسبب نقص الخيارات. البعض ينظر إليه كجزء من تحيّز النظام التعليمي باتجاه التعليم الديني والمهني، وتراجع التعليم العام الأكاديمي في بعض المناطق الفقيرة أو ذات الكثافة السكانية العالية. كذلك تتزايد المخاوف من أن هذا التوزيع يؤدي إلى تعميق الفوارق التعليمية بين الأحياء الغنية والفقيرة، مما يؤثر على الفرص المستقبلية للطلبة في الجامعات والتخصصات التي تتطلب خلفية أقوى في العلوم.
في المجمل، الوضع الراهن في إسطنبول يعكس تحوّلاً في الأولويات التعليمية، حيث خيارات التعليم الأكاديمي الخاص تقلّ وتذهب الغلبة إلى الكهرباء المهنية والدينية. الخطر الأكبر هو أن هذا قد يجعل ما يُعرف بـ “مدارس العلوم” محصورًا في أحياء محدودة، مما يضع الطلاب الذين يعيشون في أماكن بعيدة أمام تحديات يومية للحصول على مستوى تعليمي أكاديمي متقدم. في غياب تدخلات تنظيمية أو تشريعية لضمان التوزيع العادل لمدارس Fen أو المدارس الأكاديمية، يبقى الخيار الأكاديمي للأقوى مالًا أو حظًا بمعرفة مكان السكن.