العد التنازلي لتسليم 350 ألف منزل ومشاريع "إسكان القرن"
أكد وزير البيئة والتخطيط العمراني وتغير المناخ التركي، مراد كوروم، أن الجمهورية التركية على وشك تحقيق إنجاز كبير في ملف إعادة الإعمار، معلناً أنه سيتم قريباً تسليم 350 ألف وحدة سكنية للمواطنين المتضررين من زلزال فبراير 2023 المدمر، والذي وصفته أنقرة بـ "كارثة العصر".
جاء هذا التصريح الهام خلال مشاركة الوزير كوروم في مراسم افتتاح المرحلة الأولى من "مشروع تنظيم وتجديد ساحل إسكندرون" بولاية هاتاي، إحدى أكثر الولايات تضرراً من الزلزال. وشدد الوزير على أن تركيا تحوّل هذه "الكارثة" إلى "ملحمة نهوض" تليق بمئوية الجمهورية، مؤكداً أن العمل مستمر دون توقف لجعل جميع المناطق السكنية مقاومة للكوارث الطبيعية.

وتيرة قياسية في إعادة الإعمار:
أشار كوروم إلى أن الحكومة التركية قد أنجزت بالفعل أكثر من 70% من إجمالي 453 ألف وحدة سكنية كان قد تم التعهد ببنائها في أعقاب الزلزال الذي ضرب 11 ولاية جنوبي البلاد. وأوضح أن هذا الإنجاز يعني أن اثنين من كل ثلاثة من منكوبي الزلزال بدأوا حياتهم الجديدة في منازلهم المؤمنة والجديدة.
وفي ولاية هاتاي وحدها، التي تعرضت لدمار هائل، يجري العمل حالياً على بناء ما يزيد عن 66 ألف وحدة سكنية ومركز تجاري وقروي. وتعهد كوروم بأنه بحلول نهاية عام 2025، سيتم تسليم مفاتيح 453 ألف منزل، من بينها 153 ألف وحدة في هاتاي، مؤكداً "لن نترك مواطناً واحداً لم يستلم منزله آمناً ومريحاً".
سياق الكارثة والأرقام الصادمة:
لإدراك حجم الإنجاز، يجب التوقف عند الأبعاد غير المسبوقة لـ زلزال 6 فبراير 2023. بلغت قوة الزلزال الأول 7.7 درجات والثاني 7.6 درجات، وأعقبتهما آلاف الهزات الارتدادية.
الخسائر البشرية: أودت الكارثة بحياة أكثر من 53 ألف شخص وإصابة ما يزيد عن 107 آلاف.
الدمار المادي: تسببت الزلازل في دمار أو أضرار بالغة لنحو 345 ألف شقة سكنية و190 ألف مبنى بشكل إجمالي.
التكلفة الاقتصادية: قدّر البنك الدولي الخسائر المادية المباشرة بنحو 34.2 مليار دولار أمريكي، مشيراً إلى أن تكاليف التعافي وإعادة الإعمار قد تبلغ ضعف هذا الرقم أو تتجاوزه.
في هذا السياق، تبرز سرعة استجابة الحكومة التركية كنموذج عالمي للتعامل مع الكوارث. وقد ركزت خطة الإعمار على بناء مساكن مقاومة للزلازل بعيداً عن خطوط الصدع، بالتعاون مع إدارة الإسكان الجماعي (TOKİ)، التي لها تاريخ طويل في تنفيذ مشاريع الإسكان الاجتماعي في تركيا، بما يضمن أعلى معايير الأمان الإنشائي.

التزام مزدوج: الإعمار و"مشروع القرن للإسكان":
إلى جانب عملية الإعمار الطارئة للمناطق المنكوبة، أكد الوزير كوروم أن الحكومة التركية تواصل دفع مشروعها الأكبر تاريخياً وهو "مشروع القرن للإسكان الاجتماعي" (Yüzyılın Konut Projesi)، والذي يهدف إلى بناء 500 ألف وحدة سكنية اجتماعية في عموم البلاد.
يأتي هذا المشروع، الذي أطلقه الرئيس رجب طيب أردوغان، لمعالجة المشاكل السكنية المزمنة وارتفاع الإيجارات، ويهدف إلى توفير مساكن آمنة وميسورة التكلفة لحوالي مليوني مواطن من ذوي الدخل المحدود. وقد خصص المشروع حصة كبيرة للولايات المتضررة من الزلزال، حيث تم تخصيص 13,300 وحدة سكنية لولاية هاتاي ضمن هذا المخطط العملاق.
ويعتبر هذا المشروع تتويجاً لمسيرة طويلة من مشاريع الإسكان التي نفذتها الدولة التركية، والتي تجاوزت بالفعل 1.7 مليون وحدة سكنية اجتماعية قبل الزلزال. ويؤكد كوروم أن الخبرة المكتسبة من "ملحمة الإعمار في كارثة العصر" سيتم نقلها لتنفيذ "مشروع القرن للإسكان" بنجاح، ليصبح رمزاً لدولة الرفاه الاجتماعي.
مشروع ساحل إسكندرون: رمز النهوض من الرماد:
في سياق متصل بتصريحات الوزير، افتتحت المرحلة الأولى من "مشروع تنظيم وتجديد ساحل إسكندرون"، الذي تعرض جزء منه لهبوط بنحو 80 سنتيمتراً بسبب الزلزال. وقد عملت وزارتا النقل والبنية التحتية والبيئة والتخطيط العمراني على تدارك هذا الهبوط.
وصف الوزير هذا المشروع بأنه أكثر من مجرد مساحة ترفيهية، بل هو "رمز لنهضة هاتاي من الرماد، ومثال لطائر الفينيق الذي ينهض من رماده". ويُتوقع أن يعطي المشروع دفعة قوية للاقتصاد والسياحة في المنطقة، بعد أن أثّر الزلزال بشكل كبير على البنية التحتية والوجه الحضري للولايات المنكوبة.
رد على الانتقادات:
لم يخلُ حديث الوزير كوروم من توجيه انتقادات لمن وصفهم بـ "المتضررين من نهوض هاتاي". وأكد أن البعض يحاولون تسييس جهود الإعمار، مشيراً إلى أن هؤلاء "لا يهمهم حال هاتاي بقدر اهتمامهم باستغلال الكارثة كمادة سياسية". واختتم حديثه بالتأكيد على أن الحكومة لن تتراجع عن التزاماتها وستواصل العمل حتى تعود الحياة الطبيعية والآمنة لجميع الولايات الإحدى عشرة التي ضربها الزلزال.
في الختام، تتجه الأنظار نحو تركيا التي تسابق الزمن لإنجاز ما يُعد إحدى أضخم عمليات الإعمار في التاريخ الحديث، مزجت بين الاستجابة السريعة للكارثة وبين التخطيط الإستراتيجي للمستقبل عبر مشاريع الإسكان الاجتماعي الكبرى.