تركيا تُطلق ثورة في بيئة العمل الحكومي بنظام مرن ورقمي جديد
في خطوة تعكس توجه تركيا نحو تحديث منظومتها الإدارية، أعلنت السلطات عن بدء التحضيرات لإطلاق نظام عمل مرن ورقمي جديد في القطاع العام، يُعد الأول من نوعه على هذا المستوى في البلاد، ويهدف إلى تعزيز الكفاءة والإنتاجية عبر إدخال نماذج عمل حديثة مثل العمل من المنزل والعمل الهجين والعمل الجزئي.
التحضيرات تأتي ضمن البرنامج الرئاسي لعام 2026، الذي يتضمن إصلاحات واسعة في البنية التنظيمية لمؤسسات الدولة. وسيُعاد تنظيم أوقات ومواقع العمل بما يتناسب مع متطلبات العصر الرقمي وسلوكيات القوى العاملة الحديثة، مع الحفاظ على جودة الخدمات العامة المقدّمة للمواطنين.
🔹 تحول جذري في مفهوم الوظيفة الحكومية
يشير مسؤولو وزارة العمل والمالية إلى أن النظام الجديد يمثل تحولًا جذريًا في مفهوم الوظيفة الحكومية التي طالما ارتبطت بالحضور اليومي والانضباط الزمني الصارم. فالنظام المرن الجديد سيسمح بتوزيع المهام وفق الكفاءة والإنتاجية بدلًا من ساعات التواجد الفعلية، ما يفتح الباب أمام جيل جديد من الموظفين الأكثر تكيفًا مع التكنولوجيا.
ويُتوقع أن يشمل النظام نحو 5.3 ملايين موظف حكومي يعملون حاليًا في مختلف الوزارات والمؤسسات التركية، مع تطبيق تدريجي يبدأ اعتبارًا من عام 2026 بعد اكتمال البنية التشريعية والرقمية.
🔹 محاور النظام الجديد
وفق المعلومات الرسمية، يتكون المشروع من ثلاثة محاور رئيسية:
المرونة الزمنية: السماح بتحديد ساعات العمل بناءً على طبيعة المهام بدلًا من التزام موحد للجميع.
المرونة المكانية: اعتماد نماذج العمل من المنزل أو العمل الهجين جزئيًا.
التحول الرقمي: تطوير نظام معلومات مركزي باسم KPBS (نظام معلومات الموظفين الحكومي)، يتيح للمديرين تتبع الأداء حضورًا أو عن بُعد بشكل فوري وآمن.
كما ستُحدّث القوانين المتعلقة بـ الضمان الاجتماعي وحقوق العاملين لتتلاءم مع هذه النماذج الجديدة، بما يضمن استمرار المزايا الوظيفية التقليدية في إطار أكثر مرونة.
🔹 أهداف الإصلاح الجديد
تهدف الحكومة التركية من هذا التحول إلى:
رفع كفاءة الأداء الحكومي وخفض الهدر في الوقت والموارد.
تحسين التوازن بين الحياة المهنية والشخصية للموظفين.
تقليل الازدحام المروري والانبعاثات الكربونية الناتجة عن التنقل اليومي.
تحفيز الإبداع والابتكار في مؤسسات الدولة عبر بيئات عمل رقمية حديثة.
وأكدت وزارة البيئة والتمدن الرقمي أن هذا التوجه يأتي في سياق رؤية تركيا للتحول إلى “دولة رقمية بالكامل” بحلول عام 2030، حيث ستكون التكنولوجيا محورًا رئيسيًا في كافة قطاعات الإدارة العامة.
🔹 تحديات متوقعة أمام التطبيق
ورغم الحماس الرسمي، أشار خبراء الإدارة إلى أن تطبيق النظام قد يواجه تحديات هيكلية تتعلق بالبنية الرقمية، ومستوى الجاهزية التقنية في بعض المؤسسات، إضافةً إلى الحاجة لتدريب واسع للموظفين والمديرين على إدارة فرق العمل عن بُعد.
كما أن بعض النقابات قد تطالب بضمانات إضافية تتعلق بعدم استغلال النظام لتقليل الوظائف أو الامتيازات. إلا أن الحكومة أكدت أن النظام الجديد لن يقلل من فرص التوظيف، بل سيعيد توزيع الموارد البشرية بشكل أكثر فاعلية وعدالة.
🔹 الخطوات المقبلة
بحسب خطة العمل الرسمية، ستبدأ المرحلة التجريبية في عدد من الوزارات خلال عام 2025، يليها التعميم التدريجي على كافة المؤسسات في عام 2026. كما يجري العمل على ربط نظام KPBS مع منصات الدفع والتأمين الاجتماعي لتسهيل تتبع الأداء والإنتاجية في الوقت الفعلي.
وفي تصريح لمصادر مقربة من وزارة المالية، يجري حاليًا إعداد لائحة تنظيمية تحدد معايير اختيار الوظائف القابلة للنظام المرن، ونسب الحضور المطلوبة أسبوعيًا، مع آلية مراقبة رقمية مضمونة لحماية خصوصية الموظفين.
🔹 تجربة ملهمة للعالم
يرى محللون أن النموذج التركي الجديد يمكن أن يكون تجربة ملهمة لدول أخرى، خصوصًا في الشرق الأوسط وآسيا، حيث لا تزال أنظمة العمل الحكومي تعتمد على نماذج تقليدية.
فالتحول نحو المرونة والرقمنة في القطاع العام لا يعزز فقط الكفاءة، بل يخلق بيئة أكثر تنافسية وجاذبية للمواهب الشابة والكوادر المؤهلة.
وبذلك، تمضي تركيا في طريقها نحو إعادة تعريف مفهوم العمل الحكومي بما يتماشى مع روح العصر والتحول الرقمي العالمي.