الجيل Z يغيّر خريطة سوق الجمال العالمية

الجيل Z يغيّر خريطة سوق الجمال العالمية
الجيل Z يغيّر خريطة سوق الجمال العالمية

الجيل Z يغيّر خريطة سوق الجمال العالمية

 بدا واضحًا أن صناعة الصحة والجمال تشهد نقطة انعطاف. فبينما كان مجتمع المستهلكين يتابع مؤتمرًا في تركيا، كانت العلامات الكبرى في قطاع العطور ومستحضرات التجميل تُعدّ لمرحلة جديدة — مرحلة يقودها الجيل Z، ويُعرفون بأنهم المولودون تقريبًا بين عامي 1998 و2012 — وهم الذين يتطلعون إلى تجارب مستهلك مبتكرة، تكنولوجية، وشخصية أكثر من أي وقت مضى.

ما الذي يحدث؟

وفقًا لتقرير حديث من وكالة Reuters، فإن مبيعات العطور ارتفعت بشكل ملحوظ بين الجيل Z، حيث أصبحت اللوحات العطرية أكثر من مجرد منتج رفاهي، بل وسيلة للتعبير عن الذات وتحسين الحالة المزاجية في ظلّ الضغوط الاقتصادية.
العلامات الكبرى مثل Coty Inc. وThe Estée Lauder Companies وL’Oréal استجابت لهذا التوجّه بإعادة صياغة استراتيجياتها، فتوسعت في فئة العطور وتخصيص التجربة للمستهلك الأصغر عمرًا.

لماذا الجيل Z؟

هذا الجيل، الذي نشأ في قلب الثورة الرقمية، لديه توقعات مختلفة عن الأجيال السابقة، كما تشير دراسة من eMarketer حول تفضيلات العناية الشخصية والجمال لعام 2025. 
فهم يفضّلون الشراء عبر الهواتف والتطبيقات، ويبحثون عن تجارب ذكية وتفاعلية أكثر من مجرد منتج يُحدد على الرف. كما أنهم أكثر قابلية للتأثر بمنصّات التواصل الاجتماعي، والمحتوى الذي يقدم تجارب أو تفاعلاً، وليس مجرد إعلان تقليدي.

كيف تُشكّل العطور وتجربة الجمال؟

في الماضي القريب، كانت العطور تُعدّ ترفًا أو ملحقًا لمن يريد أن يُكمل مظهره. أما اليوم، فالعطر بات يُستخدم كجزء من الروتين اليومي، يعكس حالة المزاج، ويُساند فكرة التميّز. التقرير يفيد بأن الجيل Z يشكّل نسبة كبيرة من الإنفاق على العطور في بدايات 2025: نحو 38 ٪ بحسب بيانات واحدة. 
إلى جانب ذلك، فإن سوق العطور العالمية يُقدَّر عند نحو 60.73 مليار دولار في عام 2025، ويُتوقع أن يصل إلى نحو 101.47 مليار دولار بحلول عام 2034، بمعدّل نمو سنوي مركّب حوالي 5.88 ٪. 

التوجّهات الجديدة في السوق

التجربة الرقمية والتخصيص: العلامات التجارية بدأت تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتفسير بيانات البشرة وتوصية منتجات، وأيضًا الواقع المعزّز لتقديم تجارب افتراضية قبل الشراء. هذا يعكس تغيّرًا جذريًا في “تجربة الجمال”.

المكونات الطبيعية والاستدامة: المستهلكون الأصغر سنًّا بدأوا يفضّلون التركيبات الخالية من المواد الكيميائية الضارة، ويهتمّون بأن تكون المنتجات صديقة للبيئة. هذا الاتجاه أصبح ضرورة تسويقية وليس ترفًا.

تنسيق المنتجات مع التعبير عن الذات: وفقًا لمقال من Iberchem، الجيل Z يرغب في “لوحة” عطرية متعددة، وليس مجرد “رائحة توقيع” واحدة، أي أنهم يبدّلون حسب المزاج والمناسبة. 

التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي: منصّات مثل TikTok أصبحت محركًا رئيسيًا لاكتشاف منتجات التجميل والعطور، حيث يمكن للتجميل أن يصبح “تريند” أو تجربة تشاركها الجمهور.

لماذا هذا مهم؟

التحوّلات التي يشهدها هذا القطاع لا تقتصر على تغيّر في المنتجات فحسب، بل تمتد إلى نموذج العمل والبيع وتصميم المنتج. العلامات التي لا تتكيّف تواجه خطر أن تُصبح قديمة أو غير جذّابة للجيل Z. على سبيل المثال، Coty أعلنت أنها ستركّز أكثر على تنسيقات مناسبة للجيل Z مثل “body mists” و “pen sprays” لتوسعة الوصول بأسعار أقل. 
الجانب الاقتصادي أيضًا بالغ الأهمية: مع نمو الطلب وتغيّر عادات الشراء، تفتح الفرص لنمو أسرع في أسواق آسيا‑المحيط الهادئ، التي تُعدّ الأسرع نموًا، بينما تمتلك أوروبا حصة كبيرة من السوق عام 2025. 
من جهة أخرى، هذا التحوّل يعكس انتقالًا نحو “جمال واعٍ” — ليس فقط من حيث مكوّنات المنتج، بل من حيث كيف يُستخدم المنتج، كيف يُختار، وكيف يُبرَّم.

تأثّيرات على العلامات التجارية الكبرى

العلامات الكبرى بدأت تغيّر خارطة طريقها. مثلاً، Coty تفكر في بيع بعض العلامات من أجل التركيز على العطور.
كما أن تجربة البيع تتجه أكثر نحو القنوات الرقمية، والتسويق عبر المؤثرين والشراكات. العلامات التي تفهم اللغات الرقمية وثقافة الجيل Z تحصل على أفضلية في الوصول والوعي والمبيعات.

التحدّيات في الطريق

رغم الفرص الكبيرة، هناك عدد من التحدّيات التي تواجه الشركات:

يجب موازنة بين تقديم تنسيقات “ميسورة السعر” والمحتوى الجذّاب وبين الحفاظ على هوامش الربح والجودة. كما تبيّن بعض التحليلات أن التحوّل نحو Formats أرخص قد يقلّل الأرباح رغم ارتفاع عدد الوحدات.

المنافسة تشتدّ، ليس فقط بين العلامات الكبرى، بل مع علامات صغيرة ناشئة تحتضن الثقافة الرقمية مباشرة.

إدارة سلسلة التوريد والمواد الطبيعية تتطلب شفافية أكبر، إضافة إلى احترام التنظيمات البيئية والتشريعات.

التركيز على منطقة تركيا والأسواق الناشئة

في سياق هذه التحولات، تشكّل تركيا مثالًا مهمًا لسوق وسطي بين أوروبا والشرق الأوسط، إذ أصبحت تستقبل منتجات الجمال الذكي والمستدام بشكل أكبر. المستهلك التركي، ولا سيّما الشباب، بدأ يتبنّى التركيبات العضوية والتطبيقات الذكية في العناية بالبشرة، مما يعكس قطاعًا يتطلّع إلى النمو السريع.
الشركات التي تدخل السوق التركية مبكرًا وتقدّم تجربة محلية محسّنة من المحتمل أن تكسب مواقع متميّزة قبل أن تنتشر المنافسة بشكل أكبر.

ماذا بعد؟

من المتوقع أن تصبح المنتجات الرقمية والمخصصة — خاصة التي تستخدم الواقع المعزّز والذكاء الاصطناعي — معيارًا جديدًا لصناعة الجمال. العلامات التجارية التي تستثمر في هذا الاتجاه قد تشهد نموًا يفوق المنافسين في السنوات المقبلة.
وهذه النظرة تدعمها توقعات بأن حصة بعض الشركات الكبرى قد ترتفع بنسب تصل إلى 17 ٪ خلال السنة القادمة كنتيجة مباشرة لابتكار المنتجات الذكية وتجارب المستهلك المعدّلة.

الخلاصة

صناعة العطور ومستحضرات التجميل في نوفمبر 2025 ليست كما كانت قبل خمس سنوات. الجيل Z، الذين يعتبرون أنفسهم “مستهلكي تجارب” أكثر من “مستهلِكين منتجات”، يقودون تغيّرًا جوهريًا في كيفية تصميم المنتج، كيف يُسوَّق، وكيف يُشترى.
بينما تتحوّل العطور من امتياز سوبر‑رفاهي إلى عنصر يومي يعكس الهوية والمزاج، تصبح التجربة الذكية والمُخصّصة ضرورة لا رفاهية. العلامات التجارية التي تتكيّف الآن مع هذه المعايير — دمج التكنولوجيا والمكونات الطبيعية وتجارب الشراء المتفاعلة — هي التي ستحافظ على قدرتها التنافسية في السوق القادم.

بالنهاية، مع تضخّم سوق العطور إلى أكثر من 60 مليار دولار في عام 2025، ومع توجهه نحو المجتمعات الرقمية والهواتف المحمولة والتجربة المستدامة، فإن السؤال لم يعد “هل نشارك في هذا التوجّه؟” بل أصبح “كيف نشارك بسرعة وبذكاء؟”.

مشاركة على: