ثورة الجمال 2025: تحول السوق العالمي للصحة والجمال
في عام 2025، وعلى خلفية تغيّرات عالمية متعدّدة من بينها ما بعد الجائحة، التحوّلات التكنولوجية، وتغير سلوك المستهلك، لُمح إلى أن قطاع الصحة والجمال — الذي يشمل مستحضرات التجميل والعناية الشخصية والعطور والعناية بالبشرة — لا يزال في مرحلة نمو، لكن النمو لم يعد محض تكرار للماضي، بل دخل في مرحلة “إعادة تعريف”. تقرير NielsenIQ يشير إلى أن السوق العالمي للجمال سجل نمو +10٪ خلال الـ12 شهرًا الأخيرة. هذا النمو، مع أنه يُعد إيجابيًا، يرافقه ضغط على العلامات التقليدية، وتحول سريع نحو التجارب الرقمية، والمكوّنات الطبيعية، والوعي البيئي، ما يدفع اللاعبين في السوق إلى مراجعة استراتيجياتهم أو المخاطرة بأن يُصبحوا خارج المنظر.
الخلفية: حجم السوق واتجاهات النمو
بحسب تقرير من The Business Research Company، فقد نما حجم سوق المنتجات العالمية للعناية الشخصية والجمال — والذي يشمل البشرة، الشعر، مستحضرات التجميل، العطور، وغيرها — من نحو 519 مليار دولار في 2024 إلى توقعات بنحو 547.3 مليار دولار في 2025، بمعدّل نمو سنوي مركّب حوالي 5.5٪. أما تقرير NielsenIQ فتحدّث بأن المناطق التي كُشفت فيها أسرع معدّلات النمو كانت آسيا‑المحيط الهادئ (+14.3٪)، تليها أمريكا الشمالية (+9.6٪)، ثم أوروبا (+5.8٪).
وبينما كانت السنوات القليلة السابقة تعتمد على النمو الكمي – أي تقسيم السوق وتوسعة التوزيع – يبدو أن الاتجاه الآن يتحول نحو النمو النوعي: تجارب المستخدم، الذكاء الاصطناعي، المنتجات الطبيعية، الاستدامة والتخصيص.
محركات التحول
عدة عوامل تتفاعل معًا لتشكيل هذا المشهد الجديد في سوق الجمال:
التجربة الرقمية والقنوات الإلكترونية: التقرير يشير إلى أن مبيعات التجميل عبر الإنترنت تنمو بمعدّل أسرع بكثير من المبيعات في المتاجر التقليدية. المستهلك اليوم يريد تجربة شراء سلسة، وسريعة، مع توصيات رقمية وتحليلات تُمكّنه من اتخاذ قرارات أفضل.
المكوّنات الطبيعية والاستدامة: المستهلكون باتوا أكثر وعيًا بتأثيرات المكوّنات على الصحة وعلى البيئة. العلامات التجارية تتوجّه نحو تركيبات "نقيّة" (clean beauty)، خالية من المواد الضارة، مع تغليف مستدام.
التحوّل في تعريف الجمال والعناية الشخصية: الجمال بات مفهومًا أوسع من ما كان؛ لم يعد يقتصر على المظهر، بل على الصحة، العافية، التفاعل، والتخصيص. التقرير من McKinsey يُشير إلى أن "تعريف الجمال" يشهد تغيّرًا جذريًا.
التحوّل الديموغرافي والمستهلك الجديد: جيل Z والميلينيالز أصبحا محور تركيز كبير، كونهم لا يشترون بنفس الطريقة التي اشترى بها الجيل السابق. يريدون التجربة، القصة، القيمة، ويلتفتون إلى أن العلامة تعكس قيمهم.
العالم المفتوح للأسواق الناشئة: أسواق آسيا، الشرق الأوسط، أفريقيا تشكّل فرصًا كبيرة للنمو، سواء من حيث عدد المستهلكين أو تبنّي الاتجاهات الجديدة بسرعة.
التأثير على العلامات التجارية
في ضوء هذا التحول، العلامات التجارية الكبرى والعالمية تُواجه مفترق طرق: إما أن تتكيّف أو أن تتراجع. فمثلاً، العلامات التي اعتمدت سابقًا على تسويق تقليدي، متجر فعلي، متوقع أن تجد نفسها خارج السباق. تقرير Barron's لفت إلى أن بعض العلامات الكبرى مثل Estée Lauder Companies وL'Oréal S.A. فقدت حصصًا في بعض المناطق، بينما العلامات الأصغر والرقمية تنمو أسرع.
العلامات الذكية أصبحت تستثمر في:
تجربة مستخدم رقمية كاملة: من تحليل البشرة أو الشعر عبر الهواتف، إلى توصية مخصصة، إلى خدمة ما بعد البيع.
الابتكار في المنتج: ليس فقط مستحضر جديد، بل تركيبة جديدة، مكونات مبتكرة، تغليف ذكي، وما إلى ذلك.
القيم والشفافية: المستهلك اليوم يريد أن يعرف ما وراء المنتج: من أين جاء، ما تأثيره البيئي، كيف يُنتج، هل يُعبّر عن قيمه.
التحدّيات والقيود
بالرغم من الفرص، فإن القطاعات تواجه تحديات حقيقية:
معدّلات النمو تتباطأ: رغم النمو المُعلن (+10٪ عالميًا)، إلا أنه أقل مما كانت عليه فترات النمو السريع السابقة. التقارير تشير إلى أن النمو أصبح أكثر “تثبيتًا” من كونه “انفجارًا”.
التجربة الرقمية ليست مجانية: تطوير منصّات ذكية، تحليل بيانات، استخدام الذكاء الاصطناعي، كل ذلك يتطلّب استثمارًا كبيرًا. العلامات التي لا تستطيع الاستثمار قد تُحرم من السبق.
التشريعات والمكوّنات الطبيعية: مع تزايد التركيز على “الجمال الواعي”، تأتي أيضاً تحدّيات في المصدر، الجودة، والشهادات البيئية.
منافسة أشدّ: ليس فقط بين العلامات الكبرى، بل بين العلامات الناشئة، والعلامات الخاصة بالتجزئة، وحتى عبر الدول التي تُنتج محليًا وتبيع بأسعار أقل.
التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية: الأزمات، التضخم، تغيّر سلوك المستهلك، كل ذلك يمكن أن يُؤثّر على الطلب والنمو.
فرصٌ واعدة
مع ذلك، هناك مسارات واضحة للنمو:
العناية بالبشرة (العناية بالبشر): يعدّ هذا القطاع من أسرع فئات النمو، سواء من حيث التركيب أو التكنولوجيا أو السعر.
المنتجات الذكية (Beauty Tech): مثل الأجهزة المنزلية، التطبيقات، الواقع المعزّز، الذكاء الاصطناعي؛ تمثل قفزة جديدة في كيفية تجربة المنتج.
التجارب المرنة/المخصصة (Personalisation): المستهلك لم يعد يريد "منتجًا عشوائيا" بل "روتينًا شخصيًا" يناسبه، ويشبّك مع بياناته.
الأسواق الناشئة: نمو الطبقة الوسطى، الإنترنت الأسرع، التوجّه نحو العلامات العالمية — كل ذلك يعني فرصًا كبيرة في آسيا، أفريقيا، الشرق الأوسط.
التركيبات المستدامة/العضوية: ومن بينها “الجمال الواعي” الذي يُراعي الصحة والبيئة معًا، وهو يجذب فئة كبيرة من المستهلكين الشباب.
حالة الشرق الأوسط والعالم العربي
في الشرق الأوسط، وعلى رأسها دول الخليج، يصبح سوق الصحة والجمال أكثر نشوءًا وقربًا لاتجاهات الغرب. الطلب على المنتجات المستدامة، التجارب الرقمية، والعلامات العالمية آخذ في الارتفاع. كما أن انتشار التجارة الإلكترونية وتطبيقات الهواتف يُسرّع التبنّي. العلامات التي تدخل هذه الأسواق محليًا وتقدم تجربة مخصّصة (لغويًا، ثقافيًا، سعرًا) لديها فرصة أكبر.
والعرب أيضًا باتوا يركّزون على “العناية بالبشرة” وليس فقط التجميل؛ المنتجات التي تُعد بالقيم البيئية أو الصحية أصبحت تلقى قبولًا أكبر.
اتجاهات تقنية محدّدة
تقنية الواقع المعزّز (AR) في تجربة الجمال: بعض التطبيقات تتيح “تجربة” المنتج افتراضيًا عبر الكاميرا قبل الشراء. تقرير Mintel ذكر أن AR glasses قد تصبح جزءًا من روتين العناية الشخصية.
الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات: تحليل نوع البشرة أو الشعر، اقتراح روتين، تتبّع التغيّر.
الأجهزة المنزلية الذكية في التجميل: مثل أجهزة الليزر الصغيرة، أجهزة العناية بالبشرة المنزلية، التي تمكّن المستهلك من نقل “تجربة العيادة” إلى المنزل.
التجارة الإلكترونية والنمو السريع للقنوات الرقمية: التسوّق عبر الهاتف، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبر التطبيقات المتصلة يُشكّل مستقبل التجربة.
لمحة عن مستقبل الصناعة
ما يمكن توقعه في السنوات القليلة المقبلة:
نمو مستمر لكن بوتيرة أكثر استدامة: فبدلًا من النمو المذهل، ستكون التركيبة “نمواً ثابتاً + ابتكار + تغيّر في نمط التشغيل”.
توقع أن تصل القيمة السوقية لبعض القطاعات إلى مئات المليارات خلال العقد المقبل. مثال: تقرير Transparency Market Research يشير إلى أن سوق مستحضرات التجميل العالمي قد يصل إلى 756 مليار دولار بحلول 2035.
العلامات التي تتبنّى القضايا — الصحة، البيئة، الشفافية، التجربة الرقمية — ستكون الأكثر قدرة على التميّز.
التجارة الإلكترونية ستكون القناة الأساسية للنمو في العديد من الأسواق، والتجزئة التقليدية ستحتاج إلى إعادة تفكير لتظل ذات صلة.
الأسواق الناشئة ستشكل المحرّك الرئيس للنمو الكلي خلال العقد القادم، بينما الأسواق الناضجة قد تشهد تحولًا نوعيًا أكثر منه كميًا.
لماذا يعتبر 2025 عامًا محوريًا؟
تجمع نقطة التحوّل في هذا العام بين عدة عوامل: انتهاء مرحلة ما بعد الجائحة، تغيير سلوك المستهلكين، القفزات التكنولوجية، والضغط البيئي والاجتماعي المتزايد. التقرير من McKinsey ذكر أن اللاعبين في السوق لم يعودوا يملكون “رفاهية النمو السهل” بل أصبح عليهم “إثبات القيمة” للمستهلك.
بكلمات أخرى، ليس ما إذا كان السوق سينمو، بل كيف سينمو، ولمن سيكون النمو، وكيف ستبدو تجربة المستهلك.
ماذا يعني هذا للمستهلك؟
من منظور المستهلك، هذه التطورات تؤشّر إلى عدة تغيّرات محسوسة:
تجربة شراء أكثر تفاعلية: من الهاتف، للكاميرا، للتطبيق، للتوصية، وهذا يعني أن المستهلك يحصل على “قيمة مضافة” وليس مجرد منتج.
خيارات أكثر للمنتجات الطبيعية والمستدامة: يمكن للمستهلك أن يطلب “منتجًا نظيفًا”، “منتجًا أخضر”، “منتجًا ذكيًا” أكثر من أي وقت مضى.
أداء أعلى للتخصيص: حيث يمكن أن يكون الروتين مخصّصًا لبشرته، لفروته، لأسلوب حياته.
التركيز ليس فقط على الجمال الخارجي، بل على الصحة والعافية: البشرة ليست فقط أن تبدو جيدة، بل أن تشعر جيدة، وأن تكون آمنة وصديقة للبيئة.
خلاصة
في نهاية المطاف، يمكن القول إن سوق الصحة والجمال العالمي في 2025 ليس في وضع “فورة” كما في بعض مراحل الماضي، لكنّه في وضع “نقلة نوعية” — نمواً ثابتاً، وخبرات جديدة، وتجارب مختلفة. العلامات التجارية التي تفهم هذا التحوّل، وتضع المستهلك في مركز الابتكار، تستثمر في التكنولوجيا، وتُراعي القيم، ستكون في موقع الفوز.
ومن منظور المستهلك، فإن هذا يعني أن التجربة ستتغير: ليس فقط ما نشتريه، بل كيف نشتريه، ولماذا، وبأي تجربة سيكون.
السوق العالمي للجمال يتجه نحو مرحلة “ما بعد المنتج” — أي تجربة متكاملة تجمع الصحة، التكنولوجيا، الطبيعة، والتفاعل الرقمي.
وبينما تبدأ علامات جديدة في اكتساب زخم، فإن السوق القديم يُضطر إلى التحوّل أو المخاطرة بأن يُركَن إلى الماضي.