تقرير: أسباب تباطؤ الليرة التركية.. وآراء الخبراء حول مستقبلها
تشهد الليرة التركية خلال الأسابيع الأخيرة حالة من التباطؤ التدريجي أمام الدولار واليورو، رغم الإجراءات المتتابعة التي اتخذها البنك المركزي التركي في إطار برنامج “الاستقرار المالي” الجديد. ورغم أن الهبوط ليس حادًا كما حدث في السنوات الماضية، إلا أن التراجع المستمر يثير تساؤلات بين المستثمرين والمواطنين حول أسبابه الحقيقية، ومستقبل العملة خلال الفترة المقبلة.
أولًا: لماذا تتباطأ الليرة؟ أسباب رئيسية
1. سياسة الفائدة المرتفعة وتأثيرها المؤجل
رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة بشكل متتابع خلال العامين الأخيرين، ضمن سياسة تهدف إلى كبح التضخم واستعادة ثقة الأسواق.
ورغم أن رفع الفائدة عادةً يجذب رؤوس الأموال الأجنبية، إلا أن تأثيرها في تركيا ظل بطيئًا بسبب عوامل أخرى، أبرزها:
استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة رغم تراجعه النسبي.
حاجة السوق لفترة انتقالية حتى تستوعب الشركات التكاليف الجديدة.
ضعف التدفقات الخارجية مقارنة بحجم الاقتصاد.
2. ارتفاع فاتورة الواردات
تركيا دولة تعتمد بشكل كبير على المدخلات المستوردة في الصناعة والطاقة، ما يجعل أي ارتفاع للأسعار العالمية ينعكس مباشرةً على الليرة.
ومع صعود أسعار النفط والغاز عالميًا، زاد الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، وبالتالي زادت الضغوط على العملة.
3. التوترات الإقليمية وتأثيرها على الأسواق
تشهد المنطقة اضطرابات سياسية واقتصادية—من غزة إلى البحر الأحمر والحدود التركية السورية—وهي عوامل تدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة عالميًا، وتُضعف جاذبية الأسواق الناشئة ومنها تركيا.
4. الاستهلاك المحلي القوي
رغم توقعات الانكماش، حافظ الطلب المحلي على قوته، مما فرض على المصانع والشركات زيادة الطلب على الدولار لاستيراد المواد الخام، وخلق ضغطًا إضافيًا على السوق.
5. دورة "تصحيح الأسواق" بعد الصعود الذي أعقب الانتخابات
بعد الانتخابات المحلية والرئاسية، شهدت الليرة مرحلة استقرار نسبي، لكن ذلك الاستقرار كان مؤقتًا نتيجة التفاؤل السياسي.
ومع مرور الوقت عاد السوق لمساره الحقيقي، وبدأت الليرة تفقد جزءًا من قيمتها بشكل تدريجي.
ثانيًا: كيف يقرأ الخبراء المشهد؟
1. البنك المركزي: السيطرة على التضخم هي المفتاح
يرى خبراء الاقتصاد المقربون من البنك المركزي أن استمرار كبح التضخم هو الخطوة الأولى لاستعادة قوة العملة.
ويؤكدون أن:
أثر السياسات المتشددة سيظهر خلال 2026–2027 بشكل أقوى.
تراجع التضخم تحت 30% سيكون نقطة التحول الحقيقية.
التباطؤ الحالي “متوقع” ولا يمثل خطرًا مباشرًا.
2. محللون دوليون: الليرة بحاجة إلى تدفقات استثمارية طويلة الأجل
ترى مؤسسات دولية مثل "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس" أن تركيا تحتاج إلى:
جذب استثمارات صناعية مباشرة (FDI)
الحد من تذبذب الأسعار
بناء ثقة عالمية بالسياسات الحالية
ويعتبرون أن الفائدة المرتفعة وحدها لا تكفي، بل يجب تعزيز استقلالية السياسات الاقتصادية.
3. مستشارو البنوك التركية: الضغط الأكبر يأتي من استيراد الطاقة
تشير تقارير داخلية في القطاع المصرفي التركي إلى أن 50% من الضغط على الليرة يأتي من فاتورة الطاقة.
وكلما ارتفع سعر برميل النفط دولارًا واحدًا، تُجبر تركيا على دفع مبالغ إضافية تضعف رصيدها من العملات الأجنبية.
4. رأي المستثمرين المحليين: القلق من المستقبل وليس من اليوم
يرى المستثمرون الأتراك أن تباطؤ الليرة الحالي لا يثير الذعر، ولكن المشكلة تكمن في غياب رؤية اقتصادية واضحة طويلة المدى.
فمعظم المستثمرين ينتظرون:
خطة الحكومة لخفض النفقات
برنامج زمني لخفض الفائدة مستقبلًا
إجراءات لتحفيز الصادرات وتقليل الواردات
ثالثًا: هل يمكن أن تستعيد الليرة قوتها؟
عوامل تدعم التحسن
انخفاض تدريجي في التضخم المرتفع
تحسن السياحة وزيادة العوائد الدولارية
ارتفاع الصادرات الصناعية
تحسن العلاقات مع دول الخليج والاتحاد الأوروبي
عوامل قد تبطئ التعافي
استمرار أسعار الطاقة العالمية في الارتفاع
أي توتر إقليمي جديد
عدم قدرة الشركات الصغيرة على تحمل تكلفة الفائدة
رابعًا: توقعات الربع الأول من 2026
يتوقع الخبراء أن يشهد الربع الأول من عام 2026:
تباطؤًا أقل في سعر الصرف مقارنة بالفترة الحالية
زيادة طفيفة في الثقة بالاقتصاد بعد مراجعة التصنيف الائتماني
استمرار "التحرك الأفقي" للعملة بين مستويات قريبة من الحالية
احتمال انتعاش نسبي إذا استمرت سياسات البنك المركزي بلا تغيير
خلاصة نيو ترك بوست
رغم التباطؤ الحالي في قيمة الليرة، يؤكد الخبراء أن تركيا ليست في حالة “أزمة عملة” كما كانت في أعوام سابقة، بل تمر بمرحلة تصحيح اقتصادي طويل الأمد، يعتمد نجاحه على:
خفض التضخم
جذب الاستثمارات
ضبط أسعار الطاقة
وضوح الرؤية الاقتصادية للحكومة
ومع ذلك، سيحتاج المواطن والمستثمر معًا إلى المزيد من الصبر حتى يظهر أثر السياسات الحالية على أرض الواقع.