تقرير: مستقبل الدولار في تركيا خلال 2026 – السيناريوهات المحتملة
مع اقتراب العام 2026، تتجه الأنظار في تركيا وخارجها إلى اتجاهات الدولار مقابل الليرة التركية، خصوصًا بعد عامين من السياسات النقدية المتشددة التي تبنّاها البنك المركزي، ومرحلة إعادة الهيكلة الاقتصادية التي ما تزال آثارها ملموسة حتى الآن.
وعلى الرغم من تراجع وتيرة تقلبات سوق الصرف مقارنة بالسنوات التي سبقت 2024، إلا أن حالة “الانتظار والترقب” تهيمن على الوسط الاقتصادي، وسط أسئلة عن إمكانية تحقيق الاستقرار أم الدخول في موجة جديدة من الارتفاعات.
في هذا التقرير، تستعرض نيو ترك بوست أهم السيناريوهات المحتملة للسوق خلال 2026، بناءً على المعطيات والتقارير الرسمية وآراء الخبراء.
أولًا: خلفية اقتصادية تمهّد لتوقعات 2026
حتى نهاية 2025، تُظهر المؤشرات الاقتصادية التركية ما يلي:
1. التضخم ما يزال مرتفعًا رغم تحسنه النسبي
انخفض التضخم من مستوياته القياسية السابقة، لكنه بقي في نطاق مرتفع يدور حول 40–48%، وهو ما يجعل استقرار العملة تحديًا كبيرًا.
2. سياسة الفائدة وصلت إلى ذروتها تقريبًا
رفع البنك المركزي سعر الفائدة لمستويات قياسية لوقف تدهور الأسعار، ومع ذلك لم يظهر الأثر الكامل بعد على السوق.
3. احتياطيات النقد الأجنبي تشهد تحسنًا بطيئًا
مع تصاعد الاستثمارات الخليجية وعودة السياحة تدريجيًا، إلا أن فاتورة الواردات المرتفعة—خاصة الطاقة—لا تزال تضغط على الاحتياطي.
4. الاقتصاد العالمي في حالة عدم يقين
تقلبات أسعار النفط، وحالة الركود الخفيف في أوروبا، والتوترات الجيوسياسية تؤثر مباشرة على الاقتصاد التركي.
ثانيًا: السيناريوهات المحتملة لتحركات الدولار خلال 2026
تتراوح التوقعات بين ثلاثة سيناريوهات رئيسية: محافظ، متوسط، ومتفائل. وفيما يلي تفصيلها:
السيناريو الأول: استقرار نسبي مع ارتفاع محدود (الأقرب للتحقق)
يشير هذا السيناريو إلى أن الدولار قد يشهد ارتفاعًا محدودًا وبطيئًا خلال 2026، لكنه لن يسجل قفزات حادة كما حدث في أعوام 2021-2023.
أهم أسباب تحقق هذا السيناريو:
استمرار البنك المركزي في تشديد السياسة النقدية.
تراجع تدريجي للتضخم إلى ما دون 30%.
تحسن نسبي في تدفقات الاستثمار الخليجي.
ارتفاع الصادرات التركية الصناعية.
مدى سعر الصرف المتوقع:
يتأرجح الدولار بين معدلات أعلى من نهاية 2025 بنسبة لا تتجاوز 8–15%، مع حركة أفقية أغلب السنة.
رأي الخبراء:
يعتبر محللون أتراك أن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية، خاصة مع التزام الحكومة بالإصلاح المالي وتقليل النفقات.
السيناريو الثاني: ارتفاع أكبر نتيجة ضغوط خارجية (متوسط الاحتمال)
وفق هذا السيناريو، قد يشهد الدولار ارتفاعًا أكبر من المتوقع إذا واجه الاقتصاد التركي أزمات إضافية.
العوامل المؤدية له:
صعود أسعار الطاقة عالميًا، ما يضاعف فاتورة الاستيراد.
تباطؤ الاقتصاد الأوروبي—الشريك التجاري الأكبر لتركيا.
توتر سياسي أو أمني يؤثر على الأسواق.
ضعف الثقة لدى المستثمرين المحليين مما يزيد الطلب على الدولار.
مدى سعر الصرف المتوقع:
ارتفاع في حدود 20–28% على مدار العام.
كيف يقرأه السوق؟
لا يراه الخبراء “انهيارًا”، بل حركة طبيعية لاقتصاد يعتمد على الواردات ويشهد تضخمًا مرتفعًا نسبيًا.
السيناريو الثالث: تحسن في قيمة الليرة (متفائل لكن غير مستبعد)
هذا السيناريو يفترض نجاحًا قويًا للإصلاح المالي وعودة رؤوس الأموال.
قد يتحقق إذا:
انخفض التضخم لأقل من 25%.
بدأت الحكومة خفض سعر الفائدة تدريجيًا في النصف الثاني من 2026.
ارتفعت إيرادات السياحة بشكل غير مسبوق.
توسّعت الاستثمارات الصناعية الخليجية والأوروبية في تركيا.
مدى سعر الصرف المتوقع:
تحسن طفيف لليرة بنسبة 5–10% أو استقرار كامل دون ارتفاعات.
تعليق الخبراء الدوليين:
يعتبر هذا السيناريو ممكنًا إذا رافقته إصلاحات صلبة في سوق العمل، وتحسين في بيئة الاستثمار، وتراجع حدّة التوترات الإقليمية.
ثالثًا: ما العوامل التي ستحدد أي سيناريو يتحقق؟
هناك خمسة مفاتيح رئيسية سيُبنى عليها مستقبل الدولار خلال 2026:
1. مسار التضخم
هو العامل الأول لتقييم قوة الليرة. كلما انخفض التضخم، زادت ثقة المستثمرين، وتراجع الضغط على سعر الصرف.
2. أسعار الفائدة
استمرار الفائدة المرتفعة يدعم الليرة، لكن خفضها قبل الوقت المناسب قد يفتح الباب لارتفاع الدولار.
3. الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)
أي نمو في الاستثمارات الصناعية سيعزز العملة بشكل كبير.
4. أداء قطاع السياحة
يعتبر من أهم مصادر النقد الأجنبي—أي تراجع أو انتعاش فيه يؤثر بشكل مباشر.
5. البيئة السياسية والجيوسياسية
الاستقرار السياسي والهدوء الإقليمي يمنحان الأسواق طمأنينة أكبر.
رابعًا: رأي الأسواق المحلية
الشركات
ترى المؤسسات الصناعية أن 2026 سيكون عامًا “متقلبًا” لكنه ليس صادمًا، وأن الدولار سيتحرك تدريجيًا دون قفزات مفاجئة.
المواطنون
يتوقعون استمرار الارتفاع لكن بوتيرة أقل كثيرًا من الأعوام السابقة، مع اعتمادهم الكبير على إشارات البنك المركزي.
المستثمرون
يركزون على مدى التزام تركيا ببرنامج الإصلاح المالي وقدرتها على السيطرة على الدين العام.
خامسًا: توقعات الخبراء للربع الأول من 2026
يتوقع اقتصاديون أتراك ودوليون أن يشهد الربع الأول:
استقرارًا نسبيًا في سعر الصرف.
استمرار الفائدة المرتفعة حتى منتصف السنة.
هدوءًا في الأسواق بعد وضوح خطة الموازنة.
حركة سعرية أفقية للدولار أقرب للثبات منها للارتفاع.
خاتمة نيو ترك بوست
لا يتوقع الخبراء أن يشهد 2026 “انفجارًا سعريًا” للدولار في تركيا، بل إن أغلب السيناريوهات تشير إلى تحركات محسوبة تتأثر مباشرة بالمشهد الاقتصادي العالمي، وديناميكية التضخم المحلي، وقرارات البنك المركزي.
وبينما يبقى الاستقرار مرتبطًا بعوامل عديدة، فإن أهم ما يتفق عليه الاقتصاديون هو أن 2026 ستكون سنة انتقالية تسبق مرحلة قد تكون أكثر استقرارًا خلال 2027–2028، إذا استمرت الإصلاحات بنفس الوتيرة.