
تراجع واردات العراق من الدقيق يهز تجارة الحبوب العالمية ويضغط على تركيا
تشهد الأسواق العالمية للدقيق اضطرابًا ملحوظًا بعد أن خفض العراق وارداته إلى أدنى مستوى منذ ١٤ عامًا، وهو ما انعكس على حركة التجارة الدولية وأدى إلى انخفاض حجم الصادرات من عدة دول منتجة، وفي مقدمتها تركيا.
وفقًا لبيانات المجلس الدولي للحبوب، تراجعت تجارة الدقيق العالمية بنسبة تقارب ٩٪ لتستقر عند نحو ١٥,٥ مليون طن خلال موسم ٢٠٢٤ – ٢٠٢٥. ويُعد العراق أكبر مستورد للدقيق التركي منذ سنوات طويلة، لكن الواردات العراقية تراجعت بشكل حاد من نحو ٢,١ مليون طن في الموسم الماضي إلى ما يقارب ١,٢ مليون طن فقط هذا الموسم، وهو أدنى مستوى منذ عام ٢٠١٠.
هذا الانخفاض المفاجئ كان له أثر مباشر على تركيا، التي تُعد أكبر مصدر للدقيق في العالم. فقد تراجعت صادرات أنقرة من أكثر من ٦ ملايين طن إلى ما يقارب ٣,٦ ملايين طن، لتسجل أدنى مستوياتها خلال العقد الأخير. ويرجع هذا التراجع إلى عدة عوامل مجتمعة، أبرزها القيود المفروضة على توريد القمح من منطقة البحر الأسود وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين عالميًا.
خبراء القطاع يرون أن تقليص العراق لاستيراد الدقيق يعود إلى سعيه لزيادة الإنتاج المحلي من القمح والاعتماد على المطاحن الوطنية لتغطية الطلب الداخلي. كما أطلقت الحكومة العراقية برامج دعم للمزارعين لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وهو ما أدى إلى خفض فاتورة الاستيراد بشكل ملحوظ.
رغم أن هذا التوجه يُعزز الاقتصاد العراقي ويقلل التبعية للأسواق الخارجية، إلا أنه يضع ضغوطًا كبيرة على الدول المصدّرة مثل تركيا وكازاخستان، ويؤثر في استقرار الأسعار العالمية نظرًا لتقلص حجم الطلب.
ويؤكد محللون أن استمرار هذا الاتجاه قد يدفع شركات المطاحن التركية إلى البحث عن أسواق بديلة في إفريقيا وآسيا لتصريف الفائض وتقليل الخسائر. كما حذروا من أن انخفاض حجم التجارة العالمية قد يضر بسلاسل التوريد، ويؤدي إلى تقلبات أكبر في أسعار القمح والدقيق خلال الأشهر المقبلة.
التوقعات المستقبلية أكثر تفاؤلًا نسبيًا، إذ يتوقع المجلس الدولي للحبوب أن تنتعش تجارة الدقيق في موسم ٢٠٢٥ – ٢٠٢٦، مع إمكانية ارتفاع حجم التجارة العالمية إلى نحو ١٧,٣ مليون طن، في حال استقرت أوضاع الإمدادات العالمية وانخفضت تكاليف الشحن.
يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت تركيا قادرة على استعادة مستويات صادراتها القياسية في ظل المنافسة الشديدة وتغير خريطة الطلب العالمي. ويرى مراقبون أن الاستثمار في سلاسل الإنتاج المحلية وتوقيع اتفاقيات جديدة مع أسواق ناشئة قد يكون السبيل الأمثل لتعويض التراجع في الطلب العراقي وضمان استقرار قطاع المطاحن التركي.